أبريل 06 2010

طريق غير مباشرة إلى إقامة الدولة الفلسطينية؟

رام الله ـ من الواضح أن توقعات الفلسطينيين والإسرائيليين مختلفة، بل وربما تكون متناقضة، في ما يتصل بالمفاوضات غير المباشرة التي دفعت الولايات المتحدة الطرفين إليها دفعا.

كانت إسرائيل من بين أول الأطراف التي رحبت بالقرار المتردد الذي اتخذته جامعة الدول العربية بتأييد الدعوة التي وجهها الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى العرب بمباركة المحادثات. ومن الواضح أن الحكومة اليمينية التي يتزعمها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ترى أن الدخول في محادثات غير مباشرة من غير الاضطرار إلى وقف الأنشطة الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس يُعَد نصراً على نحو ما. ولمجرد الرغبة في تذكير العالم بهذا وافقت الحكومة الإسرائيلية، في نفس الوقت الذي كانت فيه المحادثات غير المباشرة تستعد للانطلاق، على البدء في بناء 112 وحدة سكنية في إحدى المستوطنات الواقعة في جنوب بيت لحم، وبناء 1600 وحدة استيطانية جديدة في القدس الشرقية.

أما بالنسبة للفلسطينيين، فإن العودة إلى المحادثات، وإن كانت غير مباشرة، تتمركز حول قضية استراتيجية واحدة: ألا وهي قضية الحدود. والواقع أن هذه الفكرة الجديدة تهدف إلى حمل الإسرائيليين والفلسطينيين على الموافقة على حدود الدولة الفلسطينية، وهو ما أكد الطرفان وبقية العالم أنه يشكل الوسيلة الوحيدة للخروج من هذا الصراع الذي دام عقوداً من الزمان.

ويريد الفلسطينيون أن تكون المناطق التي احتلتها إسرائيل عقب حرب يونيو/حزيران 1967 أرضاً للدولة الفلسطينية. وهذا يتماشى مع قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ومن بينها القرار رقم 242ØŒ الذي نص على “عدم جواز الاستيلاء على أراضي الغير عن طريق الحرب”.

لكن العودة إلى حدود 1967 يعني أن التكتلات الاستيطانية الضخمة ـ فضلاً عن مستوطنات أصغر ـ سوف تصبح جزءاً من الدولة الفلسطينية. والواقع أن أقل القليلين من المراقبين يتوقعون حدوث أمر كهذا. كانت محادثات سابقة قد اشتملت على السماح بتبادل الأراضي، وهو ما من شأنه أن يسمح لإسرائيل بالاحتفاظ بالعديد من التكتلات الاستيطانية الضخمة في مقابل إعطاء الفلسطينيين بعض الأراضي داخل إسرائيل. وربما تشتمل المبادلة الأكثر ترجيحاً على بعض المناطق التي قد تسمح بخلق ممر بين الضفة الغربية وقطاع غزة.

أما تعيين حدود القدس فسوف يكون أمراً أشد صعوبة. فقد أعرب الفلسطينيون والإسرائيليون علناً عن عدم رغبتهم في وجود سور يفصل بين القدس الغربية والقدس الشرقية. والواقع أن العديد من الأفكار التي طُرِحَت في هذا السياق تشتمل على الدعوة التي أطلقها الرئيس الأميركي الأسبق بِل كلينتون والتي تقضي بأن تكون الإحياء اليهودية في القدس جزءاً من إسرائيل، وأن تكون الإحياء العربية هناك جزءاً من فلسطين.

غير أن هذه الخطة خضعت للاختبار مؤخراً عندما استولى اليمين الإسرائيلي بالقوة على منازل فلسطينية في قلب ضاحية الشيخ جراح في القدس الشرقية. ولقد انضم المئات من أنصار السلام الإسرائيليين، ومعهم بعض الناشطين الدوليين، إلى الفلسطينيين المطرودين في الاحتجاج على تصرفات هؤلاء المستوطنين المتطرفين، والتي كانت مدعومة من قِبَل مسئولين إسرائيليين على المستوى البلدي والحكومي.

من المؤسف، في ظل هذه الأحداث، أن المفاوضات غير المباشرة لن تسفر عن أي نتائج ملموسة فيما يتصل بتعيين حدود الدولة الفلسطينية. ومن المؤكد أن توقع مثل هذه النتائج في غضون الأشهر الأربعة المقترحة أمر غير محتمل وغير وارد.

ومع ذلك فإن العملية في حد ذاتها لا تقل أهمية بالنسبة للجانبين عن تحقيق النتائج. فبالنسبة لإسرائيل سوف تعمل هذه المحادثات على تخفيف الضغوط الأميركية والدولية، في حين تضفي بعض الشرعية على موقف نتنياهو في التحدث عن السلام من دون التخلي عن المستوطنات والقدس. لا شك أن العديد من المراقبين سوف يقولون إن ظهور إسرائيل بمظهر الدولة المناصرة للسلام من دون التنازل عن الأرض كان الموقف الذي دأبت إسرائيل على اتخاذه بنجاح طيلة عقود من الزمان.

بيد أن هذه العملية، في نظر الفلسطينيين، تختلف عن المفاوضات التي جرت في الماضي. ذلك أن الرفض العنيد لإجراء محادثات مباشرة في حين تستمر الأنشطة الاستيطانية بلا تجميد كامل كان سبباً في تركيز الانتباه على ما ينظر إليه العديد من المراقبين باعتباره جوهر نظام الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي.

وفي نظر العديد من الفلسطينيين والإسرائيليين، والمجتمع الدولي، فإن هيئة وتفاصيل ما قد يشكل تسوية مقبولة لدى الأغلبية في كل من الجانبين معروفة جيداً. فمن خلال التركيز على الحاجة إلى التوصل إلى اتفاقات بشأن الحدود في غضون فترة زمنية قصيرة، يقول الفلسطينيون إنهم لا يرون أي ضرورة إلى التفاوض على خطوات تدريجية، وأنهم يفضلون الاتفاق على التسوية النهائية أولاً ثم العودة إلى مناقشة القضايا والتفاصيل الخاصة بالتنفيذ في وقت لاحق.

ولعل الجانب الأكثر إثارة للاهتمام في المحادثات غير المباشرة المنتظرة هو ما حدث على الأرض في المناطق المحتلة. فقد كان رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض نشطاً للغاية في تنفيذ خطة إستراتيجية من المتوقع أن تؤدي إلى نشوء دولة فلسطينية على أرض الواقع في غضون عامٍ ونصف العام. فضلاً عن ذلك فقد كانت الاحتجاجات غير العنيفة في ازدياد، في حين سجلت أعمال العنف والتفجيرات الانتحارية تراجعاً حاداً.

ومن الواضح أن المفاوضين الأميركيين، الذين يخططون للقيام بدور نشط في المحادثات غير المباشرة ويعتزمون للمرة الأولى الجلوس إلى طاولة المفاوضات حين تبدأ المحادثات المباشرة، وعدوا الفلسطينيين بأن الولايات المتحدة لن تتورع عن فضح الطرف الذي يجرؤ على عرقلة المفاوضات.

والواقع أن مثل هذا الإعلان من جانب الولايات المتحدة (إذا ما أعلنت أن إسرائيل على خطأ) من شأنه أن يعطي الفلسطينيين الفرصة لإعلان فشل المحادثات، ومن ثَم التحرك نحو إعلان أحادي الجانب عن قيام دولة فلسطينية على أمل اعتراف المجتمع الدولي بهذه الدولة. والواقع أن أوروبا أكدت بالفعل أنها سوف تعترف بمثل هذا الإعلان الأحادي الجانب. وفي هذه الحالة فإن الأميركيين سوف يجدون صعوبة بالغة في رفض الاعتراف بدولة فلسطينية تتماشى مع ما اعتبره المجتمع الدولي الحل الوحيد المقبول لهذا الصراع العسير.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2010.
www.project-syndicate.org
ترجمة: مايسة كامل

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .