يناير 23 2010

طفولتي مع قصة مخطوطات البحر الميت

نشرت بواسطة الساعة 4:53 م تحت فئة مدونتي,شخصي -

بقلم داود كتاب

إن مطالبة الأردن حكومة كندا بعدم إرجاع مخطوطات البحر الميت التي تم عرضها في تورونتو، إلى إسرائيل، يعيد لي كثيراً من ذكريات الطفولة.

وطلب الأردن من كندا أن يتولى هو الوصاية على هذه المخطوطات يأتي انسجاماً مع اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية في حالة وجود نزاع مسلح المعقودة عام 1954 والتي وقّع عليها كل من الأردن وكندا.

عند عرض هذه المخطوطات في المعرض كان هناك مجموعة واسعة من الآثار كانت قد أخذت من متحف فلسطين (متحف روكفلر) في القدس الشرقية بعد حرب حزيران 1967.

في نيسان الماضي، حاولت السلطة الفلسطينية إقناع رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر برفض عرض هذه المخطوطات في المعرض لنفس السبب وهو أن المخطوطات التي تعرضها إسرائيل هي آثار مسروقة.
إسرائيل من جانبها، رفضت مطالب الأردن اأاخيرة مستخدمة بعض العبارات غير المعتادة.

فقد قدم المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية، ييغال بالمور، ردا مرفوضا حين قال أن الحكم الأردني في القدس قبل عام 1967 لم يكن إلا “احتلالاً”ØŒ واستمر في أقواله المرفوضة بالقول أن “المملكة تخلت عن جميع المطالبات بالأراضي الفلسطينية في الثمانيات”.

وبادئ ذي بدء، فإن معاهدة السلام الأردنية-الإسرائيلية تنص بوضوح على وجود دور واضح للمملكة في كل أمر يتعلق بمدينة القدس.

وما أثار حنقي في الحقيقة هو الحجة الواهية بأن الاستيلاء على التحف من متحف في المنطقة المحتلة هو أمر مشروع، وذلك لأن “المخطوطات ليست لها صلة بالأردن أو بالشعب الأردني”. فالمتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية يبرر حق إسرائيل في هذه التحف المسروقة على أساس أن “مخطوطات البحر الميت هي جزء لا يتجزأ من التراث والديانة اليهودية”.

لقد ترعرعت شخصيا مع تفاصيل اكتشاف المخطوطات ومع قصصها العديدة. ولا شك أن اقوال الإسرائلين بأن الأردن وفلسطين ليست لهما صلة بها ينسجم مع كافة المحاولات الإسرائلية لإنكار الحق العربي .

إن المنزل الذي قضيت فيه معظم أيام طفولتي في بيت لحم في الستينات كانت تملكه عائلة “كاندو”ØŒ وكان عميد عائلة كندو يسكن بجوار منزلنا. وكثيرا ما كان والدي يخبرنا قصة مخطوطات البحر الميت، وكيف أن راعياً لقطيع من الماعز يدعى محمد الديب دخلت خرافه إلى أحد الكهوف القريبة من أريحا في منطقة تدعى قمران.

ومن القصص التي كان والدي يرويها لنا، أن الديب ألقى حجرا وراء الماعز ليسمع صوت كسر وعاء من الفخار. وعندما دخل رأى مخطوطات من الجلد فقرر أن ينقلها إلى مدينة بيت لحم. وعند زيارته لخليل كاندو وهو إسكافي فلسطيني مسيحي، طلب منه الديب أن يعمل له صندلاً من تلك الجلود. لكن كاندو رأى الكتابة وعلم أنها أوراق مهمة فعرض على الراعي زوجين من الصنادل الجلدية بشرط أن يخبره أين عثر عليها.

وكاندو، الذي كان عضوا في الكنيسة السريانية الأرثوذكسية، التمس المشورة من أسقفه المحلي، الذي سرعان ما أدرك أهمية هذه المخطوطات وحصل عليها، وقيل أنه تم بيعها للمتحف البريطاني بأكثر من نصف مليون جنيه.

في عام 1952، اكتشف كاندو  الذي لم يعد يعمل إسكافيا وتحوّل إلى تاجر تحف قديمة، العديد من الأجزاء الأخرى للمخطوطات الثمينة والهامة وباعها للمتحف الأثري الفلسطيني وكلية الايكول بيبليك التابعة للكنيسة الكاثولكية والموجودة في القدس. وهذه الأجزاء هي التي تم التركيز عليها من قبل المسؤولين الأردنيين والفلسطينيين.

إن أجزاء من كل سفر من أسفار العهد القديم تقريبا وجدت في العديد من الكهوف، ولا يقتصر جميعها على الدين اليهودي بل هي جزء لا يتجزأ من المسيحية. وأيضاً يعتبر الإسلام العهد القديم كتاباً مقدساً.

فالكتب المقدسة ومنها الكتب والمخطوطات التي عثر عليها في أراض عربية أواسط القرن العشرين يجب أن يتم احترامها وتقديسها لا العمل على استخدامها لأهداف سياسية ضيقة.

وكوني قد نشأت في منزل يملكه كاندو وهو الإسكافي الذي تحول إلى تاجر قطع أثرية أعاد إلى ذهني ذكرى الكثير من تفاصيل هذا الاكتشاف الرائع. ولأنني كنت أعيش بالقرب من كنيسة المهد خلال فترة من طفولتي يعني أننا كنا على مقربة من مكان وظروف ولادة يسوع المسيح قبل 2000 سنة ، والتي كان قد تنبأ عنها النبي أشعياء في الكلمات التي كانت مكتوبة على تلك المخطوطات عشرات السنين قبل الميلاد.

منذ كنت طفلا، وحتى الآن، والكنائس في بيت لحم وفي كل العالم يرددون الكلمات المكتوبة في أشعياء 7: 14

وَلكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ «عِمَّانُوئِيلَ».

لا شك في أن هذه وغيرها من الآيات تتكرر كل سنة بينما يحتفل المسيحيون بعيد الميلاد في مدينة بيت لحم الفلسطينية وفي أقاصي المعمورة.

إن الأراضي المقدسة هامة وفريدة للديانات التوحيدية الثلاث. والتفرد الإسرائيلي/اليهودي في الادعاءات الدينية واستخدام هذه الغطرسة لتبرير سرقة الأراضي واحتلال الناس قد أسفرت عن نتائج وخيمة.

وكلما قمنا بالاعتراف وبتقدير بعضنا البعض واحترمنا معتقداتنا، كنا قادرين على فهم كلمات الملائكة المهدئة “وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة”.

ملاحظة: ذكرت صحيفة هارتس الاسرائيلية في عدد يوم الجمعة 22\1 \ان اسرائيل قررت وقف مشاركة المخططات في معارض دوليز خوفا من نجاح الحكومة الاردنية في استرجاعها قانونيا.

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .