يناير 02 2010

عندما حول أوباما عينيه عن الكرة الفلسطينية

بقلم داود كتاب

تساءلت ولبضع دقائق يوم الأحد الفائت، ما الذي كان سيحدث لو كنت أقرأ تصريح الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي ألقاه في هاواي بدلا من أن أستمع إليه.

لقد اقتطع الرئيس الأميركي وقتا من إجازة عيد الميلاد للحديث عن الحادث الذي وقع على متن الطائرة المتوجهة من أمستردام إلى ديترويت، لو لم أكن سمعت صوته ورأيت صورته، لاعتقدت أن المتكلم لم يكن سوى الرئيس الأميركي السابق جورج بوش.

فماذا حدث لأوباما في أقل من سنة واحدة؟

على العكس من أي من خطاباته السابقة، تحدث أوباما خارج نص تماماً باستخدام كلمة “الإرهاب” ثلاث مرات في تصريح لم يستغرق سوى بضع دقائق، وحتى هذه الحادثة، كان أوباما يفضل استخدام كلمة “الراديكالية” أو “التطرف” أكثر بكثير من كلمة الإرهاب والإرهابيين المشحونة سياسياً.

ما جعل التصريح يبدو أكثر شبهاً بخطاب الرئيس بوش بدلا من أحد خطابات أوباما المعهودة هو الإشارة إلى هدف المهاجمين المعادين للأميركيين، فكان على أوباما أن يقول ما يلي: “هذه المؤامرات ضدنا لا تسعى إلى تقويض أمننا فقط، ولكنها تسعى أيضا إلى تقويض المجتمع المفتوح والقيم التي نعتز بها كأميركيين”.

من الواضح أن أوباما استسلم لضغوطات اليمين الذين وصفوا مراراً أي هجوم ضد الولايات المتحدة بسبب سياستها الخارجية كهجمات ضد “المجتمع المفتوح” الأميركي Ùˆ”القيم” الأميركية.

ماذا حدث للرئيس أوباما؟

هل لأنه ببساطة صُدم من حقيقة أن الناس حول العالم يجرؤون على مهاجمة أمريكا فوق ترابها الوطني رغم مواقفه الإيجابية من العالم؟ هل لأنه كان غاضباً جدا بحيث أنه لم يقدر أن يدرك أن قراره الخاص بتكثيف الوجود الأميركي في أفغانستان سينتج حتما عنفاً مناهضاً للأميركيين؟

خلال زيارة أوباما إلى القاهرة، وخطابه إلى العالم الإسلامي، كان موقف ونبرة صوت ابن الزعيم المسلم الأفريقي قد لاقى ترحيباً على نطاق واسع، وفي الواقع إن رد الفعل العالمي لأوباما للأشهر الأولى من ولايته كان إيجابيا للغاية بشأن الاتجاه الذي يعتزم اتخاذه بخصوص القضايا الرئيسية في السياسة الخارجية.

إن تعيين أوباما للسناتور جورج ميتشل، كمبعوث شخصي له لمنطقة الشرق الأوسط ودعوته لإغلاق معتقل جوانتانامو خلال السنة الأولى من عمله في المكتب، اعتبر إشارة إيجابية نحو التغيير، وموقف أوباما العلني، فضلا عن موقف وزير خارجيته، في معارضته التامة لأي نوع من الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية اعتبرت نسمة من الهواء المنعش في واشنطن، لكن هذه الإشارات سوف تنهار بسرعة، خصوصا في ما يخص فلسطين، وسياسة الولايات المتحدة الخارجية سوف تتراجع مرة أخرى باتجاه إسرائيل، وكان هذا واضحا من خلال أسلوب أوباما وهيلاري كلينتون في تراجعهما عن الدعوة إلى تجميد كلي للمستوطنات.

كان التراجع واضحاً أيضا عندما مارست الولايات المتحدة ضغطا سياسيا على الرئيس الفلسطيني في محاولة منها لإلغاء تقرير غولدستون، وكان من المتوقع أن يقدم المحكمون الدوليون الدعم بدلاً من معارضة إجراءات محامي جرائم الحرب البارز في جنوب أفريقيا مثل ريتشارد غولدستون الذي لا تشوبه شائبة.

إن البحث في ما حدث لأوباما منذ أوائل أيامه المفعمة بالأمل يمكن العثور عليه في خطابه الرئاسي.

قضية واحدة عبر عنها أوباما ومبعوثه الشخصي بوضوح خلال تلك الأشهر الأولى الحاسمة وهي الحاجة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة، واللغة المستخدمة في دعم مثل هذا القرار السياسي لم يسبق لها مثيل بسبب التركيز المكرر بأن إقامة دولة فلسطينية هي في صلب “المصلحة الوطنية” للولايات المتحدة الأمريكية.

خلال حملة الانتخابات الرئاسية، هاجم المرشح باراك أوباما بوش لما اعتبره إطلاقاً خاطئاً للحرب الخاطئة ضد العراق، وكرر أوباما مرارا وتكرارا أنه في أعقاب هجمات 11 أيلول، حاد بوش بعينيه عن الكرة بمهاجمته العراق بدلا من أفغانستان.

ومن المؤكد أيضاً أن أوباما، الذي كان يُنظر إليه في جميع أنحاء العالم بأنه بدأ مسيرته بخطوة صحيحة فيما يتعلق بالشرق الأوسط، قد ابتعد عن مساره خلال مناقشات الرعاية الصحية والمناقشات الداخلية بشأن نشر القوات، ويعتقد البعض الآخر أن أوباما قد سمح لبعض الموظفين الموالين لإسرائيل والمستشارين أمثال رام ايمانويل ودنيس روس بإدارة الملف الفلسطيني الإسرائيلي. فإضافة مزيد من القوات إلى حرب لا يمكن كسبها لا يساعد أيضاً في القضاء على الدوافع لاستمرار الهجمات ضد الأمريكيين.

إن المراقبين للصراع في الشرق الأوسط يصرون على أن استمرار محنة الفلسطينيين ومعاناتهم من الظلم على أيدي الاحتلال الإسرائيلي هو مصدر للغضب والإحباط للملايين حول العالم، ومنع المزيد من الهجمات ضد أهداف أمريكية لن يتم بالقوة العنيفة، فالقوة الناعمة ودعم العدالة والحياد في الشرق الأوسط، ستوفر حماية أفضل بكثير من الماكنات الفاحصة للأجسام وكفاءة عمل الاستخبارات.

إن المرشح أوباما، وكذلك الرئيس أوباما في أول مئة يوم له، لم يستطع أن يرفع عينيه عن الكرة، وإذا كان عام 2009 سيتم تقييمه بإنصاف فيما يتعلق بقضية فلسطين، فإنه سيكون من السليم القول بأن أوباما قد حول عينيه عن مسألة هي من صميم المصلحة الوطنية للولايات المتحدة.

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .