ديسمبر 26 2009

تبادل الأسرى ليس بديلاً عن المفاوضات

نشرت بواسطة الساعة 3:53 م تحت فئة السياسة الفلسطينية -

*  بقلـم داود كتّاب
14 ديسمبر/كانون الأول 2009

إذا نجحت حركة حماس الإسلامية في إطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين، بمن فيهم العديد من المحكومين لفترات طويلة، فسوف تعقّد دون شك المحاولات الحساسة في الوصول إلى اتفاقية متفاوض عليها بين إسرائيل والفلسطينيين. سوف يثبت إنجاز كهذا أن هؤلاء الذين يستخدمون العنف يستطيعون تحقيق نتائج أفضل من أولئك الذين يعتمدون على الأساليب اللاعنفية التفاوضية للتوصّل إلى تحرير الأرض والأسرى، مثل الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء سلام فياض.

إلا أنه بغض النظر عن الفوائد التي ستجنيها حماس من هذه الصفقة، فقد أثبت التاريخ أن الدفعة المحتملة لشعبيتها لن تكون طويلة الأمد.

حاول الفلسطينيون منذ عقود استخدام كل أسلوب ممكن تقريباً لتحقيق الحرية للشعب وتحرير الأرض. خاض فدائيو منظمة التحرير الفلسطينية كفاحاً مسلحاً في ستينات القرن الماضي وسبعيناته، واستخدم الشباب الفلسطينيون الحجارة وقاموا بمقاطعة المنتجات الإسرائيلية في الانتفاضة الأولى عام 1987. كما أجرى ياسر عرفات ومفاوضوه مفاوضات سرية عام 1993. فشلت جميع هذه المحاولات في تحقيق التحرير.

وفي العام 2000، شملت موجة من العنف بقيادة حماس هجمات مسلّحة وتفجيرات على أهداف عسكرية ومدنية إسرائيلية، ويجري الآن تحويل القرار الإسرائيلي بتفكيك جميع المستوطنات في غزة وانسحاب الجيش الإسرائيلي إلى الحدود الدولية إعلامياً على أنه جاء نتيجة لتكتيكات حماس. ورغم أن الإسرائيليين قد يناقشون ضد هذا المنطق، إلا أن حقيقة أنه جاء بينما كانت حماس تشن هجمات صاروخية وتفجيرات انتحارية يجعل من الصعب رفض هذا الادعاء بشكل كامل.

يبدو الآن أن نصراً أكثر وضوحاً لتكتيك حماس آخذ بالتبلور. لم تثمر جهود قيادة محمود عباس المعتدلة لإطلاق الأسرى، بمن فيهم أعضاء من حركة فتح التي يترأسها. في الوقت نفسه، سوف تتمكن حماس من التفاخر بأن تكتيكاتها نجحت في تحقيق إطلاق سراح أسرى من جميع الفصائل. ولو لم تقم حماس بأسر الجندي الإسرائيلي لما تمكنت من التفاوض على إطلاق هذا العدد الكبير من الأسرى الفلسطينيين. النتيجة المنطقية: تعطي المقاومة المسلّحة نتائجها في تحرير الأرض والأسرى. هذا هو المنطق.

ليس الوضع بالطبع أسوداً وأبيض كما يبدو، فأولاً، كان الانسحاب الإسرائيلي من غزة تكتيكياً فقط، حيث قامت وحدات الجيش الإسرائيلي فقط بتجميع قواتها خارج نطاق غزة. ويشكّل الحصار الإسرائيلي المستمر منذ سنتين والذي أصاب غزة بالشلل أفضل إثبات أن غزة لم تتحرر رغم أن الجنود الإسرائيلي لم يعودوا يجولون في طرقات مخيم جباليا للاجئين. منذ بداية الحصار وأثناء الحرب على غزة، شنت إسرائيل معظم هجماتها من الجو ولم تتحمل سوى القليل جداً من الإصابات نتيجة لذلك. واقع الأمر هو أن الانسحاب الإسرائيلي من المناطق المكتظة بالسكان في غزة لم يقلل من عدد الضحايا الفلسطينيين، ولكنه قلّل إلى درجة هائلة من أعداد الإصابات الإسرائيلية.

إضافة إلى ذلك فإن نجاحات حماس ليست كافية لعكس الرد الشعبي السلبي لتوجهاتها ونشاطاتها. لقد أظهرت استطلاعات الرأي العام انخفاضاً هائلاً في شعبية حماس منذ نصرها الانتخابي عام 2006. ورغم أن عملية تبادل الأسرى سوف تعطي دون شك دفعة كبيرة لمعدلات شعبيتها، إلا أنها من غير المحتمل أن تعيد هذه المعدلات إلى مستويات عام 2006. وفي ثمانينات القرن الماضي جرى تبادل للأسرى نتيجة لاتفاق بين إسرائيل وفصيل أحمد جبريل المرتدّ من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. نجحت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة التابعة لسوريا، والتي تمكنت من أسر جندي إسرائيلي، من مبادلته مع مئات من أسرى منظمة التحرير الفلسطينية وقتها. ورغم أن شعبية أحمد جبريل ارتفعت وقتها، إلا أن ذلك لم يَدُم، وفشل فصيله في إثبات وثاقة علاقته وفعاليته داخل الدوائر السياسة الفلسطينية.

لم يكن هناك بشكل عام تغييراً عاماً في الأسلوب الذي يتوجه فيه معظم الفلسطينيين نحو عملية السلام. لقد أثبت استطلاع بعد الآخر أن غالبية الفلسطينيين ما زالوا يؤمنون في الحاجة إلى حل متفاوض عليه للنزاع. ورغم أنه قد يكون لدى البعض أفكار رومانسية حول المقاومة المسلّحة، ورغم أن الناشطين السياسيين سوف يستفيدون إلى أقصى الدرجات من عملية تبادل الأسرى هذه لسنوات عديدة مقبلة إلا أن أسر الجندي الإسرائيلي في نهاية المطاف بهدف تبادله مع مئات الفلسطينيين، أو إطلاق الصواريخ على المدن الإسرائيلية المسكونة لا تشكّل إستراتيجيات طويلة الأمد لتحرير فلسطين.

لا يستطيع أي وطني فلسطيني معارضة عملية تبادل للأسرى سوف ينتج عنها إطلاق سراح هؤلاء الذين ضحوّا من أجل فلسطين. إلا أن البحث عن إستراتيجية تحرير فاعلة يتطلب عقلية مختلفة.

سوف يحتاج المعتدلون الفلسطينيون، العالقون بين رفض اتّباع تكتيكات حماس وفقدان الأمل بأن تستجيب إسرائيل لمطالب المفاوضين العادلة، لأن يبحثوا عن إستراتيجية تستطيع تحقيق الفوز. سوف تتطلب أية أساليب فاعلة للوصول إلى نهاية للاحتلال الإسرائيلي وإيجاد دولة مستقلة بحقّ إلى توجه شمولي يستفيد من نقاط القوة الفلسطينية. قد تكون أفضل الإستراتيجيات وحدة الهدف والصمود والتمسّك بالأرض والتركيز على إيجاد دولة الأمر الواقع والإصرار على الحقوق التي لا يمكن التنازل عنها في تقرير المصير.

###

* داود كتّاب صحفي فلسطيني وأستاذ سابق بمركز فيريس في الصحافة بجامعة برنستون، وعنوانه الإلكتروني info@daoudkuttab.com. كُتب هذا المقال لخدمة الأرضية المشتركة الإخبارية.

مصدر المقال: خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية، 14 كانون الأول/ديسمبر 2009
www.commongroundnews.org
تم الحصول على حقوق نشر هذا المقال.

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .