سبتمبر 04 2009

منظر غير شائع في رام الله

*  بقلم داود كتاب

اضطررت لأن أفرك عينيّ عدة مرات لأتأكد من أن ما كنت أشاهده حقيقياً. المكان هو مركز مدينة رام الله. الحدث هو اليوم العالمي للشباب. كان المشاركون يلبسون قمصاناً عليها شعارات من الأمام والخلف، وقبعات حمراء.

كان فلسطينيون من كافة أنحاء الضفة الغربية يشاركون في الحدث الذي نظّمته شبكة غير حكومية من المنظمات الشبابية اسمها “نحن فلسطين”. كان الموضوع هذه السنة “سوف نكون كل ما نحلم أن نكونه”.

بدأت نشاطات اليوم بكرنفال انطلق من ميدان المنارة المعروف مروراً بشوارع رام الله وصولاً إلى النادي الأرثوذكسي.

وقد احتوى اليوم على جلسات حوار حول المخدرات والبطالة ولعبة كرة سلة للشباب المعاقين، وحفلات موسيقية مختلفة. إضافة إلى أداء من فرقة بيلسان ومجموعة تغاريد، اختتمت الأمسية بأداء لمجموعتي “راب” هما G-Town وأخيراً مجموعة Blood in Street.

لم يكن الحدث أو عدد الشباب المشاركين فيه هو ما أدهشني، فالفلسطينيون تحت عمر 25 سنة يشكّلون غالبية سكان الضفة الغربية.

كانت دهشتي كبيرة عندما عرفت من هو راعي الحدث. ظهر الشعار الأحمر والأبيض والأزرق للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وتحته كلمات “من الشعب الأمريكي”ØŒ في كل مكان، بما فيها على ظهر قمصان المشاركين.

قد لا تكون حقيقة أن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ترعى حدثاً شبابياً غريبة كلياً بحد ذاتها. ولكن عرض الشعار الأمريكي في كافة شوارع رام الله وعلى شاخصات في الخارج وعلى ظهور بحر متحرك من البشر، كان منظراً يجب مشاهدته.

لم تمضِ بعد سنوات قليلة منذ قيام الشباب، وبعضهم على الأرجح من الذين يحتفلون بيوم الشباب العالمي هذا الأسبوع، بالتظاهر في نفس ميدان المنارة في رام الله ضد إسرائيل والولايات المتحدة. كانت الشعارات المضادة للأمريكيين هي المعيار في جميع المظاهرات التي قادها الشباب تقريباً.

ما الذي تغير إذاً؟ هل غدا الفلسطينيون أقل تسييساً أم هل خفّت حدّة معاداة أمريكا؟

قررت إجراء استطلاعي الخاص غير العلمي بين مئات الشباب الذين تجمّعوا للاحتفال بيوم الشباب العالمي هذه السنة.

كان سؤالي بسيطاً: هل أصبح من المقبول بين الفلسطينين أن يلبسوا قميصاً أو قبعة تمتدح الأمريكيين؟

يمكن تلخيص إجابات معظم المستَطلَعين بكلمتين، باراك أوباما. لقد عمل الرئيس المنتخب حديثاً أكثر من أي إعلان عن السياسة أو نشاط سياسي لتغيير صورة أمريكا بين الفلسطينيين.

أشار الناس بحذر إلى أنهم لا يدعمون الولايات المتحدة بصورة عمياء وبشكل مفاجئ. وهم كذلك لا يصدقون أن كل ما قاله الرئيس الأمريكي الجديد سوف يتم تنفيذه. ولكنه كان من الواضح أن وجود ابن مهاجر إفريقي في البيت الأبيض كانت له آثاره على نفسية الشباب الفلسطيني.

جرى ذكر أسباب أخرى كذلك. لقد سأم الشباب الفلسطينيون الطرح السياسي المستمر والمكثّف. ورغم أن أحداً من الذين تحدثت إليهم لم يفقد أياً من وطنيته، إلا أن الكثيرين قالوا أنهم غير مستعدين للانتظار إلى الأبد للتغيير السياسي، وأن الحياة تعني أكثر بكثير من اتّباع الطرح السياسي الذي لا ينتهي.

ورغم أن البعض عبّروا عن خيبة أملهم في العديد من القادة الفلسطينيين، إلا أن آخرين امتدحوا رئيس الوزراء الحالي سلام فياض، وعبّر آخرون عن أملهم بقيادة فتح التي تم انتخابها حديثاً.

ليس من الواضح ما إذا كانت ملاحظاتي تعكس تغييراً في تفكير الشباب الفلسطيني أو أن ذلك كان مجرد حدث معزول، ولكنني لا أتذكر يوماً واحداً في السنوات العشرين الآخيرة (أو أكثر)، استطعت أن أرى فيه رموزاً أمريكية دون أن يرمش جفن هؤلاء الذين يلبسونها أو من هم حولهم.

 

* داود كتّاب صحفي فلسطيني حائز على جوائز وأستاذ بموقع فيرس في الصحافة بجامعة برنستون، وهو المدير العام لإذاعة البلد التابع لشبكة الإعلام المجتمعي. تقوم خدمة Common Ground الإخبارية بتوزيع هذا المقال بإذن من الكاتب.

مصدر المقال: الجيروساليم بوست، 24 آب/أغسطس 2009
www.jpost.com

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .