سبتمبر 30 2007

إسرائيل والفلسطينيون : نصف الكأس الممتلئ

الشرق الاوسط نقلا عن الواشنطن بوست الصفحة الرئيســية الثلاثـاء 15 ربيـع الاول 1428 هـ

 

داود كتاب

عندما صاغ هنري كيسنجر عبارة «الغموض البناء» خلال مفاوضاته حول السلام العربي الإسرائيلي، لم يتخيل في يوم من الأيام أن الفلسطينيين سيستخدمون تلك العبارة في مبادرتهم السلمية. الغموض في أجندة حكومة «الوحدة» الفلسطينية الجديدة يعتمد على ما إذا كان الشخص يرى الكوب نصف ممتلئ أو نصف فارغ. وإذا ما أرادت إسرائيل والولايات المتحدة تحقيق التقدم في عملية السلام، فإن الكوب نصف ممتلئ. ولكن إذا لم تكن هناك رغبة حقيقية لدفع ثمن السلام فإن الكوب نصف فارغ.

وقبل أكثر من عام، وبتشجيع دولي، تبنى الشعب الفلسطيني ديموقراطية انتخابية، حتى قبل أن يستمتع بالسيادة ونهاية الاحتلال الإسرائيلي، فأزاح قيادة فتح العلمانية منذ أمد طويل، واستبدلها بحماس، ليؤدي تجميد المساعدات الفلسطينية الظالم، الذي تبع ذلك، إلى ثورة شعبية وبداية حرب أهلية، وقد توقف ذلك، جزئيا، بتحالف فتح وحماس الذي أثمر حكومة وحدة وطنية. ولأول مرة في تاريخ النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، ترغب أغلبية من الفلسطينيين، بما فيها الجماعات الإسلامية، بقبول دولة فلسطينية في إطار حدود 1967 المقبولة دوليا. أما الاعتراف غير المباشر بإسرائيل فيحظى بنصوص في الاتفاق بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، ويشمل الاعتراف المتبادل بالإضافة إلى احترام القرارات والمعاهدات الدولية والعربية، فيما تجيء المطالبة بالاعتراف الواضح قبل بداية المفاوضات من قبل إسرائيل وغيرها كأمر غير معقول، فلا يوجد شعب آخر بلا سيادة يجبر على الاعتراف بمحتل حدوده غامضة. لأنه وبقبول دولة مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى جوار إسرائيل، يكون الفلسطينيون قد أعلنوا حدود دولتهم وقدموا فرصة اعتراف متبادل عبر المفاوضات. وقد دعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس القائد العسكري الأعلى إلى إنهاء الاحتلال عبر المفاوضات ورفض رفضا قاطعا استخدام العنف، فيما أعطت الحكومة الأولوية للمقاومة غير العنيفة، في الوقت الذي تصر فيه علي حق الشعب في مقاومة الاحتلال عبر أي وسيلة، والأكثر من ذلك فإن سعيها لتمديد وقف إطلاق النار في ظل غزو الضفة الغربية، فإنها تقدم غصن الزيتون إلى الإسرائيليين قبل بداية المفاوضات.

تقدم الحكومة الجديدة سياسيا عملية منطقية بالنسبة للمفاوضات لتحقيق حل دائم للنزاع. فهي تعطي عباس ومنظمة التحرير الفلسطينية سلطة كاملة في مجال التفاوض من أجل الوصول إلى اتفاقية سلام مع إسرائيل. وحالما يتم الوصول إلى اتفاقية، فستتم المصادقة عليها من قبل المجلس الوطني الفلسطيني، أو من خلال استفتاء شعبي. وسلام مثل هذا يتم التفاوض حوله عبر حوار فلسطيني معتدل وتتم المصادقة عليه من قبل الأغلبية الصامتة سيتمكن من البقاء. أما البديل لذلك فهو اجراء اتفاق سري بدون دعم شعبي وهذا لن يستمر طويلا ولن يكون صعبا إجهاضه، مثلما رأينا مع اتفاقات أوسلو. ويرى أنصار حماس أن منظمة التحرير الفلسطينية احتاجت إلى 30 سنة للاعتراف بإسرائيل ، بينما لم يمض على حماس في الحكم أكثر من 12 شهرا. وحماس تحركت إلى الأمام بمسافة كبيرة بعد اعترافها بحدود عام 1967 للدولة الفلسطينية القادمة. كذلك أظهر التزام حماس بوقف إطلاق النار في غزة أن من الممكن الثقة بالتزاماتها. كذلك فإن إسرائيل بعد 40 سنة على احتلالها للأراضي العربية ما زالت تتحدى قرارات الأمم المتحدة، وما زال الجيش الإسرائيلي يحتل أراضي فلسطينية ويقمع سكانها، وتدعم الحكومة الإسرائيلية من جانبها بناء المستوطنات غير الشرعية في الأراضي الفلسطينية.

ومنذ ذلك الوقت غيّر الفلسطينيون والعرب الآخرون مواقفهم، وعرضوا السلام والمفاوضات والاعتراف بإسرائيل مقابل انسحابها إلى حدود عام 1967. وستؤيد الحكومة الفلسطينية الجديدة التي قررت المشاركة في قمة الرياض العربية المبادرة العربية التي طرحت أولا في بيروت عام 2002، والتي دعت إلى مبادلة الأرض بالاعتراف بإسرائيل وتطبيع العلاقات معها. حان الوقت لإسرائيل والمجتمع الدولي كي يريا الكأس نصف مملوءة لا نصف فارغة. فعن طريق اختيار العمل صوب السلام يمكنهما أن يملآ الجزء الفارغ المتبقي منها بهذه الطريقة، فيما يكون البديل لذلك حالة البقاء التي ترقب وتراقب جفاف الكأس قطرة قطرة.

 

*صحافي فلسطيني ومدير معهد الإعلام العصري بجامعة القدس ـ خدمة واشنطن بوست ، خاص بـ«الشرق الأوسط»

 

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .