يونيو 24 2006

رسالة مفتوحة إلى إيهود أولميرت

نشرت بواسطة الساعة 12:35 م تحت فئة مقالاتي -

عزيزي السيد/ أولميرت،

أكتب إليك على أمل أن تقتطع بعض الوقت من جدول أعمالك الحافل بالأنشطة باعتبارك القائم بأعمال رئيس وزراء إسرائيل، كي تستمع إلى آمال أحد الفلسطينيين.

على الرغم من أن صعودك إلى منصب رئيس الوزراء جاء في ظروف حرجة بسبب السكتة الدماغية التي أصيب بها آرئيل شارون، إلا أنني أعتقد أنك لديك الفرصة لتصبح جزءاً من تسوية تاريخية. وعلى الرغم من ثقتي في أنك سوف تحرص على الإعلان عن عزمك اتباع التراث السياسي الذي خلفه شارون، إلا أنك تتميز لدى الفلسطينيين عن شارون ببعض المزايا التي لم تتوفر فيه.

الميزة الأولى أنك لست مثقلاً بتلك الصورة السلبية التي كان الفلسطينيون والعرب يرونها في آرئيل شارون. فبعد أن شغلت منصب عمدة مدينة القدس لعشرة أعوام، أصبحت تدرك الموقف الذي يعيشه الفلسطينيين عن قرب.

وأنا أظن أن الفرصة المتاحة للتوصل إلى إنجاز سياسي تاريخي في منطقتنا الآن لم تكن أفضل في أي وقت مضى. فعلى الجانب الإسرائيلي تجلى إيمانك بالعملية السياسية مؤخراً حين قررت أنت وشارون من جانب واحد العمل ضد إيديولوجيتكما ومواجهة حركة الاستيطان القوية.

كما اخترتما أيضاً أن تجابها الفكر الإسرائيلي التقليدي من خلال الانفصال عن حزب الليكود، الأمر الذي أدى بصورة كبيرة إلى إضعاف القبضة الإيديولوجية الخانقة التي كانت اللجنة المركزية المنتمية إلى أقصى اليمين تفرضها على السياسة الإسرائيلية وتتحكم بها فيها. وكان إدراككما لضرورة الانسحاب من المناطق المأهولة، وبالتالي وضع نهاية لاستبقاء شعب آخر تحت احتلال دائم، باعتباره أمراً في غاية الأهمية للحفاظ على الطبيعة اليهودية لإسرائيل سبباً واضحاً في وضعكما في مركز القلب من الفكر الإسرائيلي.

وعلى نطاق أقل اتساعاً، شهد الجانب الفلسطيني أيضاً تغييرات مهمة. ومع أنني أعتقد أن الاحتلال، وليس رد الفعل تجاهه، هو السبب الرئيسي في النزاع القائم بيننا، إلا أن القرار الذي اتخذته الجماعات الفلسطينية المسلحة بالتهدئة من جانب واحد أدى إلى تقليص الهجمات ضد إسرائيل إلى حد كبير، وهذا يؤكد أن الفلسطينيين أيضاً باتوا يدركون الحدود التي لا يجب أن يتعداها عملهم العسكري. وكان القرار الذي اتخذته حماس بالانضمام إلى العملية السياسية من خلال المشاركة في الانتخابات التشريعية القادمة بمثابة التأكيد على أن حتى هذه الحركة الإسلامية المتشددة قد توصلت إلى أن إنهاء النزاع بيننا بات في حاجة إلى الاستعانة بالسبل السياسية بدلاً من القوة العسكرية.

وبينما أدرك مدى وطنيتك وحبك لإسرائيل، فأنا أعتقد أن الجانبين يستطيعان أن يفعلا الكثير من أجل تخفيف التوتر بين شعبينا، ثم التوصل في النهاية إلى تسوية حقيقية وسلام دائم. وكبداية، لابد وأن نعطي الأولوية للمفاوضات المباشرة. ربما تكون قد استشعرت أنت وشارون ضرورة التصرف على نحو أحادي مطلوب بالنسبة لقطاع غزة، لكن الانسحاب من غزة كان قد يعود بالمزيد من الفوائد على كل من الجانبين لو كان قد تم بجهود ثنائية.

من الأهمية بمكان أن تركز المحادثات المباشرة على مسارين متوازيين. فلابد وأن نحاول التوصل إلى إنهاء فوري للعنف على الجانبين، علاوة على التركيز في ذات الوقت على تسوية دائمة للنزاع القائم بيننا.

وعلى العكس من الانسحاب من الأرض، فإن إنهاء العنف لن يتحقق إلا بجهود ثنائية. ويتعين على الجانبين أن يلتزما بإنهاء الاغتيالات، والقصف، والتفجيرات، وأي شكل آخر من أشكال الهجوم على أهداف عسكرية أو مدنية على الجانب الآخر. ولكي نتأكد من فعالية ونجاح هذه المحاولة لوقف إطلاق النار فلابد وأن تشتمل على آلية مراقبة. يتعين علينا أن نطلب من مراقبين دوليين محايدين الانتشار في المناطق الساخنة من أجل تسجيل كافة المخالفات التي قد يرتكبها أي من الجانبين لأي من بنود الاتفاق.

وإلى جانب هذا الجهد لابد وأن تبدأ المفاوضات النشطة بشأن التسوية الدائمة على الفور. فالتاريخ يؤكد أن استمرار وقف إطلاق النار لا يستمر إلا إذا وجد الدعم من خلال المحادثات التي يؤمن كل من الجانبين بصدقها وجديتها.

وفي ذات الوقت، لابد وأن تتحسن الأجواء السائدة بين الفلسطينيين، علاوة على موقفهم تجاه إسرائيل، على نحو يسمح لنا بخلق بيئة سياسية تؤدي إلى دعم المفاوضات. فضلاً عن ذلك، فإن تحسين ظروف الحياة اليومية للفلسطينيين، وبصورة خاصة منحهم المزيد من الحرية في التنقل بين غزة والضفة الغربية وداخل الضفة الغربية ذاتها، من شأنه أيضاً أن يساعدنا على قطع شوط كبير على المسار السليم من أجل المساعدة في توفير الأجواء الإيجابية.

ولا يفوتني هنا أن أتمنى لك بصدق أن تنجح في الاضطلاع بمسئولياتك كرئيس للوزراء والقائم بأعمال رئيس حزب “كاديما”. ويتعين عليك أن تدرك أن جهودك في سبيل التحرك قدماً نحو الأمام لإيجاد حل للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي من شأنها أن تولد قدراً كبيراً من التحسن في الأجواء السياسية في منطقة الشرق الأوسط بالكامل.

ولكن أياً كان ما تعتزم القيام به خلال الأشهر القليلة القادمة في سبيل الفوز بالانتخابات البرلمانية القادمة، فأرجو أن تتذكر أن الدعم الذي حصل عليه حزب “كاديما” من عامة الناس في إسرائيل كان مستمداً من حقيقة محددة، ألا وهي أن ذلك الحزب يتبنى موقفاً وسطاً. وانطلاقاً من هذه الحقيقة أرجو ألا تستجيب لتوجهات وميول المتطرفين والصقور في إسرائيل. والحقيقة أن الدعم الذي ستلقاه أنت وزملاؤك من الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني على السواء سوف يكون متوقفاً إلى حد كبير على عزيمتكم التي تظهرونها انطلاقاً من رغبتكم في إحراز تقدم ملموس على مسار السلام. ولابد وأن تكون ذروة عملية السلام هذه قيام دولة فلسطينية مستقلة ديمقراطية إلى جانب إسرائيل سالمة آمنة.

داوود كُـتّـاب مدير معهد الإعلام الحديث بجامعة القدس في رام الله.

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .