يونيو 24 2006

ماذا تريد حماس

نشرت بواسطة الساعة 12:32 م تحت فئة السياسة الفلسطينية -

على الرغم من نضال حماس من أجل تشكيل حكومة للمناطق الفلسطينية، إلا أنها تتشبث كما يبدو بأحد نصوص الكتاب المقدس بدلاً من الالتفات إلى رغبات اللجنة الرباعية (الولايات المتحدة، وروسيا، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة) المكلفة بمحاولة رأب الصدع وتقريب المواقف الفلسطينية الإسرائيلية. “لكل شيء موعد وأوان”ØŒ هذه المقولة تناسب جدول أعمال حماس الحالي، وذلك لأن أولوياتها وجداولها الزمنية تختلف عن أولويات وجداول المجتمع الدولي، والذي يمارس ضغوطه عليها لحملها على التصريح بإعلانات سياسية فورية، أهمها الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود.

من المؤكد أن حماس تدرك حجم الالتزامات السياسية التي يتعين عليها أن تتحملها حتى يتقبلها المجتمع الدولي بشكل كامل، لكن قادتها يفضلون الانتظار حتى تصبح السلطة بين أيديهم كاملة قبل استكشاف مثل هذه القضايا أو الخوض فيها. فضلاً عن ذلك فإن حماس، مثلها في ذلك كمثل جميع الفلسطينيين، تحاول تقييم أفضل سبيل للمضي قدماً في عملية السلام. وفي نظرهم فإن عملية السلام الحالية أسفرت عن أعوام من التراخي فيما يتصل بالمفاوضات، الأمر الذي سمح باستمرار الاحتلال وسرقة الأراضي الفلسطينية.

على سبيل المثال، يشير قادة حماس إلى أنه خلال العام المنصرم، وفي ظل وجود محمود عباس المعتدل على رأس السلطة، لم يفكر الإسرائيليون حتى في التفاوض معه. ومن هذا المنطلق إذاً، فإن إسرائيل لن تهرع إلى طاولة المفاوضات مع أي سلطة فلسطينية، سواء اعترفت بحق إسرائيل في الوجود أو لم تعترف به.

وعوضاً عن ذلك، فإن قادة حماس المنتخبين حديثاً منشغلون بقضايا أساسية مثل الحفاظ على الوحدة الداخلية بين الفصائل الفلسطينية، وإنهاء حالة الفوضى وغياب القانون، وضمان قدر أكبر من الاحترام لحكم القانون، ومكافحة الفساد، وإصلاح الحكم الفلسطيني. والحقيقة أن أغلب الفلسطينيين يتفقون تمام الاتفاق على هذه الأولويات.

ولقد أظهر آخر استطلاع للرأي العام بين الفلسطينيين أن 73% منهم يشعرون بنفس القدر من الأمان الذي كان قبل الانتخابات، بل وربما يشعرون بقدر أكبر من الأمان الآن. ومن بين الفلسطينيين الذين شملهم الاستطلاع، والذين تم اختيارهم عشوائياً وبلغ عددهم 709، أكد 30% أنهم يتمنون أن تتمكن حكومة حماس الجديدة من التعامل بنجاح مع قضية الفساد. وقال 22% منهم أنهم يأملون أن يتمكن إسماعيل هنية، رئيس الوزراء المعين من قِـبَل حماس، من إنهاء الفوضى التي تعم المدن الفلسطينية، وتوفير الأمن الداخلي وإرساء حكم القانون. وتمنى واحد من كل خمسة تقريباً أن تهتم الحكومة بمعالجة قضية البطالة.

ومن المفارقات العجيبة أنه على الرغم من أن أغلبية الفلسطينيين وافقوا على وضع السلطة بين يدي حركة دينية بإعطائها أصواتهم في الانتخابات، إلا أن 1% فقط ممن شملهم الاستطلاع قالوا إن تطبيق الشريعة الإسلامية في فلسطين لابد وأن يكون من أولويات حماس.

وعلى الرغم من أن نتائج الاستطلاع أظهرت أن 73% من الفلسطينيين ما زالوا يؤيدون عقد اتفاق سلام مع إسرائيل، إلا أنهم لا يرون أن أي اتفاق في هذا السياق قد يكون قريباً. وأكد 11% ممن شملهم الاستطلاع أن قضية السجناء لابد وأن تكون على رأس أولويات الحكومة الجديدة ـ وهذا تقريباً ضعف عدد أولئك الذين قالوا إن التوصل إلى تسوية سلمية مع إسرائيل لابد وأن يكون على رأس الأولويات. في الوقت الحالي تحتجز سجون إسرائيل داخل جدرانها ما يزيد على ثمانية آلاف فلسطيني، نسبة كبيرة منهم بلا توجيه اتهام أو محاكمة. لكن 62% من الفلسطينيين الذين شملهم الاستطلاع أكدوا أنهم يعتقدون أن حماس لابد وأن تغير موقفها فيما يتصل بالاعتراف بإسرائيل.

إنه لمن الصعب بالنسبة لقوة دولية عظمى مثل الولايات المتحدة، أو قوة إقليمية مثل إسرائيل، أن تفهم أو تستوعب إقدام جماعة من الناس على اتخاذ أولويات مختلفة عن أولوياتها. لكن الشعب الفلسطيني أثبت على مر الأعوام أنه شعب فخور بنفسه معتز بكرامته، ولن يرضخ لمجرد أن الجانب الآخر أقوى منه عسكرياً أو سياسياً.

وفي كل الأحوال لا نستطيع أن نعاتب حماس لأنها استفادت من الضغوط الأميركية الرامية إلى فرض الديمقراطية على المنطقة في التوصل إلى أهداف تحظى بشعبية بين الناس. وبطبيعة الحال، فإن كل من يريد أن يعاد انتخابه لابد وأن يعطي الأولوية لاحتياجات شعبه وليس بالضرورة لمطالب المجتمع الدولي. وحين يتمكن الممثلون الذين انتخبهم الشعب من معالجة القضايا التي يعيشها شعبهم بصورة يومية، فإنهم يستطيعون آنذاك فقط أن يلتفتوا إلى المفاوضات الخارجية.

الأمر الواضح الآن أن حماس والفلسطينيين يرغبون في وضع حد لاحتلال إسرائيلي دام 38 عاماً لأراضيهم، وأن تجربة نفس الخطط التي سبق تجربتها مع منظمة التحرير الفلسطينية خلال الأعوام الماضية لن تنجح مع الفلسطينيين اليوم. وإن كانت إسرائيل، ومعها المجتمع الدولي، جادة حقاً بشأن إنهاء الاحتلال فإن حماس سوف تتعاون.

وبينما يتعين على حماس أن تتبنى قدراً أكبر من المرونة في التعامل مع المطالب المشروعة من جانب المجتمع الدولي، فإن المجتمع الدولي ملزم أيضاً بتقديم خارطة طريق فعالة من أجل إحلال السلام. وحين يقتنع الشعب الفلسطيني بوجود فرصة لإحلال سلام حقيقي والحصول على الاستقلال، فلسوف يضغط على حماس لانتهاز هذه الفرصة ـ أو ينتخب جهة أخرى راغبة في انتهاز مثل تلك الفرصة.

مما لا شك فيه أن المجتمع الدولي يفتقر إلى الإرادة السياسية اللازمة للضغط على إسرائيل لكي تتغير. ولكن في الوقت الحالي، وحتى يجد المجتمع الدولي في نفسه مثل هذه الإرادة، فيتعين على العالم أن يمنح حماس الوقت الكافي ويمهلها حتى تتمكن من التعامل مع الاحتياجات اليومية للشعب الفلسطيني. وبمجرد ظهور إمكانية الدخول في مفاوضات جادة، فإن حماس، بعد أن تكون قد نجحت في تحسين حياة عامة الناس في فلسطين، ستصبح في موقف يسمح لها بمواصلة المفاوضات الضرورية للتوصل إلى تسوية سلمية تاريخية.

داوود كُـتّـاب مدير معهد الإعلام الحديث في جامعة القدس في رام الله.

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .