يوليو 25 2005

التعلم من الإخفاقات التي أصابت الشرق الأوسط

نشرت بواسطة الساعة 2:59 ص تحت فئة مدونتي -

أضحت فرصة حدوث اختراق إيجابي في النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني متاحة بحيث بتنا نخشى أن تصاب فرص السلام بالحَسَد من كثرة الحديث في الأمر. لكن، وبعيداً عن الخرافات، إذا أردنا أن نضمن عدم ضياع هذه الفرصة منا، فإن علينا أن ندرك بأن نجاح عملية السلام تعتمد إلى درجة كبيرة على التعلم من دروس الفشل المتكرر في الماضي.

قبل المباشرة في معالجة القضايا السياسية الكبرى، قد يكون من الحكمة التركيز على الأمور العملية التي تتعامل مع القضايا الأصغر الملحة والتي قد نستطيع من خلالها تحقيق نجاحات تخلق أجواء أفضل للتعامل مع القضايا الكبرى. ويمكن تحقيق النجاح في المدى المنظور إذا وضعت الحياة اليومية للفلسطينيين والإسرائيليين في مقدمة جدول الأعمال. يجب أن يتمكن الفلسطينيون والإسرائيليون من الإمساك بزمام حياتهم اليومية وممارستها بشكل طبيعي، في تل أبيب أو جنين، دون خوف على حياتهم ومستقبلهم. ففي الوقت الذي شعر فيه الإسرائيليون بالخوف، واجه الفلسطينيون عقاباً جماعياً أخذ أشكالاً عديدة منها فرض قيود على التنقل والسفر، وتدمير المنازل والانهيار الاقتصادي.

هناك حاجة إلى أن يواكب تحسن الحياة اليومية البدء في مفاوضات جادة. ويجب العمل على منع تكرار التورط في مرحلة جديدة تشبه تلك المراحل الطويلة السابقة التي غاب عنها الأمل. وطالما أن هناك محادثات سلام، يعتمر الأمل قلوب الناس. وبطبيعة الحال فإن هذا لا يعني أن تكون هناك مفاوضات لأجل المفاوضات فقط، بل يجب أن تكون هناك جهود متواصلة ومستمرة لإعطاء الفلسطينيين شعوراً بأن هناك مستقبلا جيدا ينتظرهم في نهاية الطريق. فعندما يشعر الفلسطينيون بأنهم يكسبون من توقف العنف، سينقطع ذلك الأوكسجين الذي حافظ على استمرار هذا العنف.

يبدو أن محادثات السلام الفلسطينية – الإسرائيلية الحالية لا تملك العناصر الكافية للتوصل إلى حل في المدى القريب، وتشير علينا دروس الماضي إلى ضرورة أن يعلن أولاً القادة بوضوح عن الأهداف التي يتوقعونها من المحادثات، ثم البحث في هذه الأهداف لإيجاد حلول عملية للقضايا التي يختلف عليها الطرفان. فالخلافات كبيرة والغضب قابل للانفجار بحيث أن محاول حلّ جميع قضايا الصراع ستأخذ على الأرجح فترة أطول بكثير مما يبتغيه معظم الناس.

بطبيعة الحال فإن اتفاقا مبكرا على الأهداف الواسعة للمفاوضات يعني أن تتفق الأطراف مبكراً على أن عليها أن لا ترتكب أعمالاً قد تضر بقضايا الحل النهائي. لذا إذا اتفق الطرفان على حل الدولتين، وهو أمر يبدو أنهما قبلاه، أصبح لزاماً عليهما عمل كل ما هو ممكن لضمان أن الوضع النهائي لن يُنتهك من قبل أي من الطرفين.

كذلك من دروس إخفاقات الماضي عدم السماح لأي طرف بالإضرار بالحل طويل الأمد المتفق عليه. فخلق حقائق على الأرض ومحاولة التأثير على قضايا الحل النهائي يمكن أن يهددا بانهيار العملية السلمية برمّتها. ورغم أن ذلك ينطبق على العديد من القضايا إلا أن القضايا الشائعة التي تهدد عملية السلام برمّتها هي قضايا الاستيطان اليهودي والقدس واللاجئين.

ويشعر الفلسطينيون بأن أحد الأسباب الرئيسية لفشل عملية أوسلو هي أنها لم تحتوِ على أي ضمانات بوقف النشاط الاستيطاني في المناطق الفلسطينية. فمع استمرار نمو المستوطنات الإسرائيلية تعثرت عملية السلام برمّتها بسبب انعدام ثقة الجمهور الفلسطيني بالمفاوضات.

وبالمثل، فشلت السلطة الوطنية الفلسطينية في إدراك الآثار المدمرة للهجمات المسلحة ضد المدنيين الإسرائيليين على عملية السلام. بالنسبة للفلسطينيين، إذا أمكن إيقاف النشاط الاستيطاني فسيتاح لمحمود عباس والمفاوضين الفلسطينيين المزيد من الوقت للعمل بتروٍ وحكمة في المفاوضات. وبالنسبة للفلسطينيين تعتبر هذه المسألة كافية لإحداث نزيف مستمر يهدد إمكانية إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة وغير متقطعة الأوصال.

يتوجب على الإعلام الفلسطيني والإسرائيلي كذلك أن ينظرا إلى الخلف لتقييم دورهما في التأثير على الرأي العام. ففي الإعلام الإسرائيلي، نشرت الصحف عناوين مثيرة ومحرضة، ويستمر التلفزيون بتغطية الأحداث بطريقة مثيرة للعواطف، بينما ملأت محطات التلفزيون العربية والفلسطينية شاشاتها بصور دامية للأحداث. لم يعمل أي من الطرفين بجدية لكسر الصور النمطية ومحاولة تجريد الآخر من الإنسانية.

يجب أن يتفق كلا الطرفين، وخاصة قادتهما، على عدم السماح لأقلية متطرفة على الجانبين بإملاء قوانين اللعبة على الأغلبية المعتدلة. فإذا اقتنع الإسرائيليون بأن اللاجئين الفلسطينيين سيعودون إلى الدولة الفلسطينية وليس إلى إسرائيل، ستتعزز لديهم الثقة بأن الفلسطينيين جادون في ما يتعلق بالعيش بسلام جنباً إلى جنب، كما أن إطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين سيعزز ثقة الفلسطينيين بجدية الإسرائيليين في المضي قدماً نحو السلام.

إضافة إلى موضوعي المستوطنات واللاجئين، هناك حاجة للكثير من العمل على الجبهة الاقتصادية. ويجب الاهتمام بأن يكون أحد ثمار عملية السلام خلق وضع اقتصادي سليم ومعافى للدولة الفلسطينية المستقبلية. وهذا يعني أن هناك حاجة إلى أن يهتم المفاوضون بالجبهتين القانونية والإدارية وحرية تنقل الأفراد والسلع بشكل عام.

وفي ظل غياب آلية فاعلة لكسر آلية العنف فإن هذا النجاح يبقى في مهب الريح إذا لم يتمكن الطرفان من البناء عليه بجهود جادة وذات مصداقية. يجب ترجمة هذه الجهود إلى أعمال يمكن للجمهور رؤيتها وتلمسها حتى يتسنى الحفاظ على شعلة الأمل حيّة. فالعالم اليوم يعرف أن هذا النزاع لن ينتهي حتى يحصل الفلسطينيون على ضمان بإقامة دولتهم المستقلة، وحتى يتمكن الإسرائيليون من التمتع بالأمن داخل حدود دولتهم. فحل الدولتين، الذي أصبح الآن شعار قادة مهمين في المجتمع الدولي مثل بوش وبلير وبوتين يجب أن يتحول إلى حقيقة يعيشها الفلسطيني والإسرائيلي، المواطن العادي في فلسطين وإسرائيل.

– داود كتّاب صحافي فلسطيني ومدير لمعهد الإعلام العصري، في مدينة رام الله الفلسطينية، التابع لجامعة القدس. ينشر المقال بالتعاون مع خدمة Common Ground الإخبارية.

2 تعليقان

2 تعليقان ل “التعلم من الإخفاقات التي أصابت الشرق الأوسط”

  1. +AFw-')/* في01 يناير 2009 الساعة 8:30 م -

    ekibastos

    ekibastos

  2. +AFw- في26 يونيو 2009 الساعة 1:16 ص -

    26.706231454009

    31.6518298714072

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .