مارس 20 2001

كبش الفداء

نشرت بواسطة الساعة 12:00 ص تحت فئة مدونتي -

بدون أي تفكير سابق، وجدت نفسي خلال هذا الأسبوع في وضع صعب، وأنا أدافع عن قرار السلطة الوطنية بإعدام عددا من المواطنين الفلسطينيين بعد اتهامهم بالتعاون مع أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، وإعطائها معلومات حساسة مكّنت الجيش الإسرائيلي من اغتيال عددا من قادة الانتفاضة.

وحجتي في ذلك كانت في غاية البساطة. إذ أننا نعيش في مناطق محتلة، وفي حالة حرب مع عدو يقصف التجمعات السكانية بمدافع الدبابات والمروحيات، وقناصة الجيش الإسرائيلي تقتل يوميا مواطنين فلسطينيين. ونتيجة لذلك فقد نشرت إسرائيل الموت في كل مكان، وهم الذين يلعبوا دور القاضي والإدعاء في محكمة غير عادلة، تصدر أحكام الإعدام بحق بعض القادة الفلسطينيين بدون أن تكلف نفسها عناء حتى اعتقالهم وتقديمهم لمحاكمة ولو شكلية.

وليس هذا إدعاء فلسطينيا. بل إن قادة الجيش الإسرائيلي يصرحون بذلك علنا ودون أي خجل. واستنادا إلى حالة الحرب التي تعيشها الأراضي المحتلة، وإلى طبيعة المعلومات التي قدمها هؤلاء العملاء للجيش الإسرائيلي والتي اعتبرت بمثابة مفتاح النجاح للقوات الإسرائيلية باغتيال بعض قادة الانتفاضة. لذا اعتبرت أنه لا يوجد أمام السلطة الوطنية خيارات أخرى سوى اتخاذ خطوات رادعة.

وكانت مفاجأتي كبيرة عندما جاء الاعتراض على رأيي هذا، ليس من منظمة ” أمنستي” ومناصريها. وقد أبلغت أن وصف الحالة في الأراضي الفلسطينية المحتلة بأنها حالة حرب، هو وصف غير مناسب وغير صحيح. وقيل لي كيف نطلق على الحالة الراهنة حالة حرب، وإسرائيل تقوم بإبلاغ السلطة الوطنية عن الأماكن التي ستقصفها، وكيف نصنفها كذلك ونحن نشاهد استمرار الاجتماعات الأمنية والسياسية بين كبار القادة والمسؤولين الفلسطينيين مع نظرائهم الإسرائيليين، واستمرار المفاوضات بين الطرفين في السر والعلن ودونما انقطاع؟

راني، منتج تلفزيوني فلسطيني، قضى فترة في السجون الإسرائيلية أثناء الانتفاضة الأولى عام 1987 ،كان أول المنتقدين لوجهة نظري المدافعة عن حق إعدام العملاء. وسألني فيما إذا شاهدت ما سمي بالمحاكمة ؟ لقد كانت مهزلة حتى أن القاضي لم يستمع للشكوى من التعذيب الذي تعرضوا له، إضافة لشهادة الطبيب المعالج. وتسائل، لماذا بثوا هذه المحاكمة وعملية الإعدام على شاشة التلفزيون، ألا يكفي ما يشاهده أطفالنا كل ليلة ؟

وسألني صديقي، هل رأيت كيف تم نقل مشاهد عملية الإعدام تلفزيونيا؟ فكيف نبني مجتمعا طبيعيا، عندما تبدأ الأمهات في مشاهدة إعدام أبنائهن على شاشة التلفزيون؟ وكأن عملية الإعدام ما هي إلا مشاهد من أحد أفلام الأوسكار؟

وقد دافعت عن وجهة نظري، والتي تؤكد أن عملية الإعدام هي خطوة رادعة لمنع ضعاف النفوس من التعاون مع الاستخبارات الإسرائيلية. وحقيقة فإن هؤلاء الشباب العملاء، هم صغار في السن، وتعرضوا لإغراءات مالية وجنسية، ولم يطلب منهم سوى تصوير بعض رجال المقاومة الذين يحملوا السلاح علنا وباستعراض ظاهر أمام الجميع في المناطق الفلسطينية. ولم يعتقد هؤلاء الشباب الصغار انهم يعرضوا أنفسهم للإعدام بقيامهم بهذا العمل.

عيسى واحد من الشباب العاملين معي، رفض وجهة نظري وقال إن معظم هؤلاء العملاء تتراوح أعمارهم بين 18-19 عاما، وأن من الخطأ إعدامهم. ولم يكن اعتراض عيسى على وجهة نظري قائما فقط على صغر سن هؤلاء الشباب، بل لاعتقاده أيضا أن هؤلاء المتعاونين والذين جرى إعدامهم ما هم إلا عبارة عن ” السمكة الصغيرة “. فلماذا لا يجري تعقب ” السمكة الكبيرة” والذين يحتلوا مناصب عليا، ويتعاونوا مع سلطات الاحتلال، ألا يجب تعقبهم ووضع حد لهم؟

واعتراض أخر جاءني من عطا وهو أحد المستشارين الفنيين في طاقم المفاوضات السابقة. والذي قال:” إن المشكلة تكمن في السلطة الوطنية نفسها، فعملية الإعدام ØŒ هي وسيلة لتبييض صفحة السلطة الوطنية في مواجهة تزايد الانتقادات الموجهة لها نتيجة استمرار التعاون الأمني بينها وبين إسرائيل “.

وقد أيد أحد نشطاء حركة فتح في منطقة بيت لحم هذه المناقشة ودعمها ببراهين مختلفة. وأكد أن بعض قادة السلطة الوطنية قد صرّحوا بأنهم كانوا على خطأ عندما دعوا إلى عدم معاقبة العملاء المتعاونين مع سلطات الاحتلال على مدار السبعة سنوات الماضية.

وقد تساءلت، هل حظرت اتفاقية أوسلو إعدام المتعاونين؟ وأجاب المفاوض السابق، أنه لا يوجد نص واضح ومحدد في اتفاقية أوسلو، ولكن ذلك ورد ضمنيا في بعض أجزاء أو ملاحق الاتفاقية. ومهما يكن الأمر، فإن اتفاقية أوسلو تعتبر أن مسؤولية إسرائيل تجاه المتعاونين معها لاغية وباطلة، ووضعت ملاحق متممة لها تضع حدا لهذا الأمر.

ومهما يكن، فالشيء المهم بالنسبة لي هو أن الاحتجاج الرئيس على خطوة السلطة الوطنية هذه، هو فشلها في تحذير شعبها وتوعيته بشكل مسبق بمخاطر هكذا أعمال. إذ وبالرغم من التحذير الذي أعلنه وزير العدل الفلسطيني مؤخرا، إلاان هذا ليس كافيا لتحقيق العدالة في المحاكمات.

ومما لا شك فيه أن الشباب الفلسطينيين والذين جرى إعدامهم، ما هم إلا ” كبش فداء”. فهم، وبالرغم من ذلك، يعتبروا سببا إضافيا لمنع استمرار هذه الحالة المجنونة واللامنطقية، ولا مناص من استمرار العمل على تحقيق السلام العادل في منطقتنا هذه.

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .