مارس 20 2001

سياسة الجسور المغلقة

نشرت بواسطة الساعة 12:00 ص تحت فئة مشاكل السفر -

يبدو الجسر الجديد الذي بني على نهر الأردن ، بأموال الدعم اليابانية مبهراً في بنائه. وقد انتهى العمل بهذا الجسر الجديد، ذو الارتفاع الشاهق ، والممتد لمسافة قصيرة وبأربعة مسارب في الخامس عشر من الشهر الجاري. وعلى الرغم من التزام المتعهد بإتمام بناء الجسر في الوقت المحدد، إلا أنه وللأسف لن يتمكن أحد من المسؤولين اليابانيين أو الأردنيين من قص شريط افتتاح الجسر في الوقت القريب .

وقد بني الجسر على ارتفاع أعلى بكثير من مستوى سطح الأرض ، بحيث يبدو المنظر من فوقه مخيفاً. إن المياه الجارية والتي تتدفق تحت الجسر تعطي الانطباع بأن بناء الجسر لم يكن بهدف تسهيل اجتياز مياه نهر الأردن ، بل للإعلان عن الدعم الياباني لسياسة الجسور المفتوحة والتي تسهل حركة البضائع وتنقل المواطنين بين فلسطين والأردن.

ولن يعتبر افتتاح نقطة العبور الجديدة هذه بالحدث العظيم، لأن حركة المواطنين على هذا الجسر لن تكون أسرع من حركة انسياب المياه أسفل الجسر. ولهذا الجسر ثلاثة أسماء:

فالإسرائيليون يطلقون علية جسر اللنبي، نسبة للضابط البريطاني، والذي إجتازه بجنوده واحتل فلسطين في بداية القرن الماضي واضعاً حداً للحكم العثماني لهذه المنطقة والذي امتد أربعمائة عام وأحل محله حكم الاستعمار البريطاني. والأردنيون يسمونه جسر الملك حسين. والسلطة الوطنية الفلسطينية ، والتي أصبحت تشترك مع الإسرائيليين في الإشراف على الجسر كنتيجة لإتقاق اوسلو يسمونه جسر الكرامة، نسبة للمعركة التي وقعت بين الفدائيين والإسرائيليين عام 68 على الضفة الشرقية من النهر

وبغض النظر عن التسمية، يعتبر افتتاح الجسر أمام حركة المواطنين ذهاباً وإيابا ، هو من نتائج سياسة وزير الدفاع الإسرائيلي موشي ديان. وكان هدفه من هذه السياسة ، هو ترك ممر للفلسطنين يستخدمونه مخافة حدوث انفجار جماهيري كبير كلما تزايد الضغط الإسرائيلي عليهم.

وبالتأكيد فإن سياسة الجسور المفتوحة لم تكن بمثابة نزهة . فالإجراءات الإسرائيلية المذلة المرافقة لهذه السياسة ، والتي تتضمن تفتيش دقيق للمواطنين وباستخدام أشعة X من الرأس حتى أخمص القدمين والتي تشمل تفتيش كل قطعة من الأمتعة ، جعل من هذه الرحلة القصيرة ( وخاصة في فصل الصيف ) جحيماً لا يطاق.

إن الرحلة والتي لا تستغرق في العادة أكثر من تسعين دقيقة بين عمان والقدس ، أصبحت تأخذ اليوم كله. وقد تقلصت الإجراءات وأصبحت أكثر سهولة عندما بدأت الشرطة الفلسطينية وتحت العلم الفلسطيني بالقيام بإجراءات التفتيش تحت الرقابة العامة للجيش الإسرائيلي.

وفي أحسن الأحوال أو أسوئها ، لم يغلق الجسر ( ما عدا الأعياد ). وكان الطلاب أو المغادرون للزيارة أو العمل على معرفة انهم قادرون على الخروج والعودة . وكان الزائرون في فصل الصيف والأعياد من الأردن على معرفة أن بإمكانهم زيارة الضفة الغربية والعودة للأردن. وبقي الجسر مفتوحاً على الرغم من حرب 1973 وأثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، وحتى وقت اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1987 بكل ما حملت من اشتباكات مع قوات الاحتلال الإسرائيلي لم يغلق الجسر أبدا أمام حركة المواطنين . وبالتأكيد فإنه أثناء بعض الأحداث السياسية كانت إسرائيل تقوم بمنع السفر. ولكن بالنسبة للفلسطنين وبشكل يومي كان بإمكانهم اجتياز الجسر ولم يكن أحد متخوفاً من إمكانية عدم عودته أو تمكنه من المغادرة.

وقد شهدت الأشهر الأخيرة تغييرات دراماتيكية على سياسة الجسور المفتوحة على نهر الأردن منذ عام 1967. فأولاً أصبح اجتياز الجسر صعباً نتيجة إعلان إسرائيل أريحا كمنطقة عسكرية مغلقة. وقد تمكن سائقوا سيارات الأجرة من ايجاد طرق بديلة لتجنب الحوافز الإسرائيلية ولكن الجيش الإسرائيلي قام مؤخراً بحفر خنادق حول أريحا مما منع السيارات من إمكانية دخولها أو الخروج منها. ولكن استمر المواطنون من محاولة إيجاد المخارج، بما في ذلك السير على الأقدام للخروج من أريحا للوصول الى الجسر ومن ثم السفر للخارج.

حتى جاءت الإجراءات الإسرائيلية والتي أغلق الجسر بموجبها أمام حركة المواطنين ، إلا في حالات محددة واستثنائية . وللسفر إلى الأردن أصبح المواطنون بحاجة للحصول على تصاريح إسرائيلية خاصة. وقد أوقفت إسرائيل العمل حتى بتصاريح السفر المعطاة للشخصيات الفلسطينية المهه. وقد أكد الحاج إسماعيل وهو أحد سائقي سيارات الأجرة على الجانب الأردني أكد أن هذه هي الفترة الأسوء منذ 34 سنة ، وأضاف أن عدد القادمين من مناطق السلطة الفلسطينية قد انخفض بنسبة 80% عما كان علية الحال من قبل الإجراءات الإسرائيلية الأخيرة.

وقد أدت هذه الإجراءات ليس إلى تقليل عدد المسافرين ، بل أثرت على الحركة التجارية في الأردن ، كما صرح بذلك عدد من رجال الأعمال للإذاعة الإليكترونية عمان نت . وقد أدى ذلك لتراجع حركة السوق التجاري خلال فترة عيد الأضحى لغياب القادمين من فلسطين لزيارة ذويهم في عطلة الأعياد.

وكان موشي ديان يهدف من وراء سياسة الجسور المفتوحة إلى تأجيل الأحداث المحتومة أو التي لا مفر منها ، وذلك بإعطاء الفلسطينين ممراً للحركة لتنفيس غضبهم والتقليل من نتائج ضغوطات الاحتلال . إن سياسة الجسور المغلقة الحالية يهدف من ورائها القادة الإسرائيليون أما أن يأخذوا فرصتهم نتيجة للانفجار الفلسطيني ، أو انهم يتوقعون تغييرات جذرية قريباً، بحيث يمنعوا الحركة نهائياً ويغلقوا الجسر تماماً ، بالرغم من إنفاق 8 ملايين دولار يابانية والتي دفعت لبناء الجسر الجديد تسهيلا لحركة المواطنين والبضائع.

لنصلي ونأمل جميعاً أن تكون الإجراءات الإسرائيلية الأخيرة هي الأسهل أو الأخف وطأة، وإلا فليساعدنا الله عندما يحدث الانفجار الكبير.

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .