يونيو 30 2001

بيت جالا ولحظات الهدوء

نشرت بواسطة الساعة 12:00 ص تحت فئة مدونتي -

فراس اليتيم البالغ من العمر اثنى عشر عاماً ، يحاول ومنذ مده ان يلهو بطائرته الورقيه ويبعد خيطها عن عمود الكهرباء . منذ عدة أيام وبعد اعلان وقف اطلاق النار بدأ فراس يشعر انه يستطيع اللعب التحرك مع عائلته ، بعد ان فقدوا حرية الحركه بسبب الحصار الإسرائيلي ، وعليه فقد رأى فراس أن الوقت أصبح مناسباً ليصنع طائرته الورقيه ويخرج ليلهو بها .خلال أيام امتلأت سماء مدينة بيت جالا بالطائرات الورقيه من مختلف الأحجام والأشكال .فعند زيارتي لعائلة فراس ، وهم من أقاربي ، رأيت هذا المشهد الرائع ، تذكرت الإنتفاضه الأولى كيف كان الأطفال يرسمون العلم الفلسطيني على طائراتهم الورقيه تعبيراً منهم على التمسك بهويتهم الوطنيه . وعلقت والدة فراس أنه لا داعي الان للقيام بهذا العمل لان رفع العلم الفلسطيني أصبح عملاً مشروعاً ،لذا لا يشعر الأطفال الان بحاجه لرسمه على طائراتهم الورقيه.

صحيح ان رفع العلم الفلسطيني أصبح مشروعاً ، ولكن وحتى الان لم نقترب من لحظة الإستقلال ، على الرغم من عدم حاجتنا الان للتلويح بالعلم الفلسطيني أمام جنود الإحتلال الإسرائيلي .

وقد أخذت مدينة بيت جالا نصيبها من فقدان الأمن والإستقرار، بسبب القصف الإسرائيلي لاحيائها وبيوتها والذي ادى لتدمير عدة منازل ومرافق عامه في المدينه ØŒ الى جانب نشر الخوف والرعب وسط السكان من تحليق وقصف طائرات الاباتشي وصوت الأسلحه الإسرائيليه الرشاشه والتي تسمع في كل أرجاء هذه المدينه . وقد فقد باسم اليتيم والد فراس والذي يعمل في صنع التحف الشرقيه من خشب الزيتون ØŒ عمله منذ تشرين الأول الماضي وقال لي ” ان كل عملنا وتجارتنا تعتمد على السياح ØŒ وقد دمرت هذه الصناعه تماماً منذ سته أشهر” . وقد اصابت الدهشه البعض ØŒ عندما قال أحد الحضور ان ولدا فلسطينياً يبلغ من العمر خمسه عشر عاماً ØŒ بدأ يكسب جيداً من تصنيع الطائرات الورقيه ØŒ وقد باع بالأمس 10 طائرات منها بسعر خمسة عشر شيكلاً للواحده . وقد عقب والد فراس بقوله ” من الممكن ان اتوقف عن ممارسة عملي والإتجاه نحو تصنيع الطائرات الورقيه “.

وبسبب القصف الإسرائيلي فقدت شقيقتي باسم بيوتهم والمبنيه على الطراز العربي القديم ، ولم يعد بامكانهما العيش في بيوتهن . وقد انتقلت الشقيقتان وعائلاتهم للعيش في منزل عائلة اليتيم الواقع في احد احياء المدينه الأكثر امناً . وحتى الان لم تنجح كل الجهود في اعادة ترميم المنزلين ، على الرغم من الجهود التي تم بذلها بالتعاون مع البلديه وذلك بسبب ارتفاع كلفة اعادة التأهيل والترميم والبالغه ثلاثين الف دولار. وقد أبدت السلطه الفلسطينيه استعدادها بتقديم مساعده قدرها الفين دولار حتى تتمكن الشقيقتان من اعادة ترميم منزليهما ، كما ابدى البلجيكيون استعدادهم للمساهمه في اعادة الترميم .

ويواجه سكان المدينه مشكلة الخوف من قصف منازلهم وعدم قدرتهم على التنبوا متى تقوم اسرائيل بذلك ، وهذا يجعلهم في حالة قلق دائم . وتجري استعدادات داخل عائلة اليتيم هذه الأيام لاستقبال مولوداً جديداً ، وقد ابلغهم الطبيب انهم سيرزقون بتوأم وهذا بالطبع يعود للاضطرابات والقلق. وقد قال الأطباء ان هناك زيادة ولادات التوائم عند الفلسطينيات في الاشهر الأخيره وبشكل كبير مما يعني فكرة ان الخوف يجلب توأم.

وعند زيارتي لمنزل أقاربي لم أشعر بوجود الخوف عندهم . وابلغوني انه قد مضى وقت طويل لم يستطيعوا الإستمتاع بوقتهم أو القيام برحله خارج المنزل ، وهم مقتنعون الان ان قرار وقف طلاق النار سيصمد . وقد أشاروا الى الدوريات الفلسطينيه العسكريه المتحركه والراجله والتي تجوب شوارع المدينه وتحاول منع المسلحين الفلسطينين من القيام باطلاق النار.

وفي جلسة العشاء حاول الحضور الحديث عن توقعاتهم للخطوه التاليه فالبعض متخوف من عدم صمود اطلاق النار ومعاودة اسرائيل لشن عدوانها على الفلسطينين ، ولكن غالبية الحضور رأوا ان الوضع الان أكثر هدوءاً من السابق ، وان هذا الهدوء مرشح للإستمرار ربطاً بالأوضاع الإقتصاديه ، حيث ادى الحصار الإسرائيلي الى تدمير الوضع الإقتصادي وتدمير الصناعات الفلسطينيه وبشكل خاص السياحه وهذا يقع في راس اولويات كل مواطن فلسطيني .

وهذا التأكيد يعود للوضع الذي تعيشه مدينة الخليل ايضاً ، وهي الشريك الإقتصادي الطبيعي لمنطقة بيت لحم ، خاصه بعد اغلاق القدس . فقد اغلق الإسرائيليون الطريق الرئيسي بين المدينتين والتي لا تستغرق الرحله بينهما في العاده أكثر من 25 دقيقه وأصبح المواطن الفلسطيني الان بحاجه الى ساعتين للوصول . وبدأت اسرائيل تمارس الفصل العنصري على الطرق، ففي الوقت الذي تسمح فيه للمستوطنين باستخدام الطريق الرئيسي ، تمنع الغالبيه الفلسطينيه من استخدامه وتجبر المواطنين على استخدام طرق جانبيه ووعره.

وبعد مرور اشهر من العدوان الإسرائيلي ، تعيش مدينة بيت جالا بعض لحظات الهدوء وتقطف بعض ثمار وقف اطلاق النار . ولا يستطيع احد التكهن فيما اذا كان هذا الهدوء سيطول ام لا ، وهل سيؤدي هذا الهدوء الى مفاوضات سلام جاده ام لا . ففي الوقت الحالي امتلأت سماء بيت جالا بطائرات الأطفال الورقيه بدلاً من طائرات الهيلوكبتر الإسرائيليه . وسيتمتع مواطنوا بيت جالا بلحظات الهدوء الراهنه ، ويأملوا أن تكون هذه بداية لمفاوضات سياسيه جاده تؤدي الى سلام عادل وشامل .

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .