يناير 28 2003

التهديد بالحرب والدور السلبي للإعلام العربي

نشرت بواسطة الساعة 12:00 ص تحت فئة أميركا والشرق اﻷوسط -

ربما سيعتقد القارئ أنني مختل إذا قلت أنني لا أتوقع أن تقوم حرب أمريكية ضد العراق، بل أكثر من ذلك فإنني أعتقد أن الإعلام العربي يلعب دوراً سلبيا حيث انه يقوم بدعم المخططات الامريكية، دون أن يدري.

بادي ذيّ  بدء، لا بد من الإشارة إلى أن اعتقادي بعدم احتمالية وقوع حرب ضد العراق لا يعني أنه لن تكون هناك محاولات بأشكال مختلفة لإسقاط النظام العراقي، واجراء تغيير في القيادة في بغداد. فانا أشك في حدوث حرب ارضية كما حدث في الكويت في حرب الخليج عام 1991.

اعتقادي بصعوبة قرب الحرب ضد العراق مبنية على عدة عوامل. الوضع الداخلي في الولايات المتحده يزداد صعوبة، فالرأي العام ليس مؤيداً للحرب وكبريات الصحف مثل الـ”نيويورك تايمز” والـ”واشنطن بوست” لم تؤيد مساعي رامسفيلد وتشيني في الحرب كما وأن وشعبية الرئيس بوش في انخفاض يومي اضافة الى الانخفاض الحاد في الاقتصاد الامريكي.

أما دولياً فالوضع يزداد صعوبة، فمجلس الأمن منقسم، ودول جوار العراق متحده ضد الحرب، ومفتشي الأمم المتحده لم يجدوا الدليل الدامغ، وكوريا أحرجت البيت الأبيض بتحديها النووي. مما خلق تناقض واضح في الرأي العام الامريكي والدولي حول كيفية رد امريكا على العراق وعلى كوريا.

قد يسأل القارئ كيف اعتقد بإستحالة الحرب والجيوش الأمريكية والبريطانية متوجهة باﻵلاف الى الخليج العربي. فهل من المعقول أن كل ذلك يتم بدون اية نية حقيقية للحرب؟؟

الجواب متعلق بتكتيك التهديد بالحرب بدلاً من الحرب. فالمعروف أن الحكومة الأمريكية ترغب بإجراء تغيير للحكم في بغداد بدون حرب، ولكن المعروف أيضاً أن التهديد بأي شيء لا ينجح الا إذا كان المهدد بالشيء مستعد بالشروع بتنفيذ التهديد.

ففكرة التهديد الأمريكي والبريطاني لا تقتصر على التهديد الكلامي فحسب، بل هي مدعومه بالجنود والبارجات، وقدرة أمريكا على إجراء تغيير تحت التهديد تزداد بوجود البارجات حول العراق. ومهما كانت تكلفة الحشود الحربية فانها بالتاكيد اقل تكلفة مالية وسياسية من الحرب الارضية.

وهنا يأتي موضوع الإعلام، فالإعلام أصبح مقتنعاً بوجود الحرب وتوجيه ضربة للعراق بسبب التهديد الأمريكي حتى أنه أصبح يروج للحرب دون أن يعرف، فلا تخلوا نشرة أخبار من عبارة “الحرب القادمة على العراق” أو الحرب التي ستشنها أمريكا ضد العراق. وعبارات أخرى تعكس ان موضوع الحرب أصبح تحصيلا حاصلا لا مفر منه.

والغريب في الموضوع أن الموقف الرسمي الأمريكي كما يصرح به الناطق بإسم البيت الأبيض وكبار المسؤولين بما فيهم وزراء الدفاع والخارجية ، هو أن الحكومه الأمريكية لم تقرر بعد الحرب ضد العراق، فلماذا إذا تقوم الصحافة ووسائل الإعلام وخاصة العربية منها بالترويج للحرب وزيادة الضغوطات النفسية على العراق والعراقيين،فحسب رأي هذا بالضبط هو ما تريده أمريكا حتى تستطيع أن تجني ما تريد دون إطلاق رصاصة واحدة.

قد يتسأل القارئ إذا كان الموضوع فقط هو التهديد بالحرب، فكيف من الممكن إقناع الأخرين بذلك؟ ولماذا لا تهتم الحكومه العراقية به؟ وهل من الممكن اخفاء تكتيك مثل ذلك على الجميع؟ و هل ارتفاع وتيرة التروييج الاعلامي العربي لاامكانية الحرب ناجمة عن رغبة لدى بعض المسؤؤليين العرب في حدوث الحرب رغم تصريحاتهم الجماعية بانهم ضد الحرب ؟

طبعاً من الصعب إقناع المواطن أو المسؤول العراقي بأن البارجات والجنود والأسلحه الأمريكية والبريطانيةهي فقط للتهديد فبالنسبة لهم ، فالأمر لا يتحمل ترف التحليلويجب ان يكون متوقعا اسوء السيناريوهات. فالمسؤول العراقي يجب أن يستعد لكافة الإحتمالات حتى لو كان احتمال الحرب 1%. و عليه أن يقوم بكافة المحاولات السياسية و الدبلوماسية لتجنب احتمال الحرب مهما كانت قليلة هذه الاحتمالية. اما بالنسبة للرغبة بعض الزعماء العرب بحدوث الحرب فانه لن يكون المرة الاولى التي يصرح زعيم عربي بشيء ثم يتبين حقيقة موقفه.

و عوده للاعلاميين العرب. فحتى لو كان تحليلي حول تغلب امكانية التهديد بالحرب غير صحيحة فأن الاعلاميين العرب يجب أن يحافظوا على الحياد في هذا الموضوع. فلا يوجد اي منطق بزيادة الضغوطات النفسية والتروييج للحرب باستخدام عبارات ومفردات حاسمة بل على الاعلاميين التركيز في حياديتهم المهنية وقول ما هو واقع وهو ان التهديد بالحرب هو سيد الموقف الحالي كما يبدو حتى من تصريحات أصحاب الشأن الامريكان والانجليز.

طبعا الاعلاميون العرب مطلوب منهم توضيح خطورة الوضع ، وعرض كافة السيناريوهات الممكنة من أجل اعطاء المواطن العربي فكرة حقيقية عن الوضع دون التحييز لهذا الموقف أو ذاك.

يبقى موضع هام لم يتعامل به الاعلام العربي. فاذا كانت امكانية الحرب الارضية قليلة واذا لم تتحقق الرغبة الامريكية في تغيير النظام العراقي و اذا كانت تكلفة الحشود الحربية ليست اساسية فان امكانية استمرار التوتر الحالي لسنة أو سنتيين أمرا ممكننا. فهل من الممكن أن يتعامل الاعلام العربي بهذه الامكانية أيظا بدل من التركييز الدائم على الحرب التي يعتقدون دون شك انها وشيكة؟

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .