يوليو 01 2004

السنة التي سقطت فيها المحرمات

نشرت بواسطة الساعة 12:00 ص تحت فئة السياسة الفلسطينية -

لم تكن سنة 2003 السنة التي سقط فيها صدام حسين وتمثاله فحسب، فقد تداعت فيها كذلك وسقطت محطمة على الأرض بعض القضايا المعلقة منذ زمن ذات البعد الأيدلوجي المرتبطة بالنزاع الفلسطيني الإسرائيلي. إلا أن هذا السقوط الأيدلوجي لم يكن متناظراً بأي شكل من الأشكال.

بالنسبة للفلسطينيين كانت 2003 السنة التي فتح فيها موضوع حق العودة للنقاش، وأعربت فيه أغلبية من الفلسطينيين، بطريقة أو بأخرى، عن أن التوصل إلى تسوية جدية أمر ممكن. وبالنسبة للإسرائيليين، وخاصة اليمينيين منهم، كانت هذه هي السنة التي بدأت فيها العقيدة الصهيونية التي تنادي بالاستيطان والنشاط التوسعي غير المحدود في الأراضي، بعكس مجراها حيث وافق آرييل شارون على إزالة مستوطنات إسرائيلية موجودة في المناطق الفلسطينية.

وقد واجهت مطالبة اللاجئين الفلسطينيين منذ عقد من الزمان بالعودة إلى أراضيهم ومنازلهم، والتي يجسدها قرار الأمم المتحدة رقم 194، صفعتين رئيستين هذه السنة. فقد حولت مقترحات سلام وقعها قادة فلسطينيون وطنيون وساندها بشكل عام ممثلون بارزون في المجتمع الفلسطيني، المقصد النهائي لهؤلاْء اللاجئين الذين طردوا من أراضيهم وبيوتهم، التي أصبحت اليوم دولة إسرائيل، إلى مناطق في الدولة الفلسطينية الجديدة المقترحة. وقد دعم هذه المقترحات السياسية استطلاع فريد للرأي العام بين اللاجئين الفلسطينيين أنفسهم، حيث ذكروا بشكل كاسح تقريباً إن فكرتهم عن العودة لا تعني بالضرورة العودة إلى إسرائيل بل إلى فلسطين، حيثما كانت حدودها.

وقد تم الوصول إلى هذه التنازل الفلسطيني الواضح دون الحصول على أي مقابل هام. بالتأكيد، فقد صيغت كل من خطة صوت الشعب للسلام ووثيقة جنيف كصفقة متكاملة تكون فيها هذه التسوية الفلسطينية جزءاً من صفقة تضم دولة فلسطينية مستقلة بشكل أساسي ضمن حدود عام 1967؛ الضفة الغربية التي كانت تحت الحكم الأردني إضافة إلى قطاع غزة الذي كان تحت الإدارة المصرية. ولكن في الواقع فمن غير المحتمل أن يوافق أي مفاوض إسرائيلي حرفياً على أي من هذه الاتفاقيات أو الرؤية التي تتضمنها. من المؤكد أن حكومة آرييل شارون اليمينية سوف تدعي إنها كانت مناهضة لمبادرات السلام هذه منذ اليوم الأول، بينما ستواجه القيادة الفلسطينية التي لم تؤيدها رسمياً، وقتاً أصعب إذا باشرت المفاوضات بما يقل عن ما تتضمنه هذه الوثائق التي أيدتها السلطة الفلسطينية بصورة غير مباشرة.

ورغم أن التنازلات الإسرائيلية فيما يتعلق بإزالة المستوطنات ترافقها عملية مصادرة أراض نشطة محمومة، وضم محتمل لمزيد من الأراضي في المستقبل، يجب على المرء ألا يقلل من أهمية القرار الذي اتخذه مؤخراً زعيم الليكود المتشدد. فخطاب شارون في هرتزليا، وقبله خطاب نائبه إيهود اولمرت، يشيران إلى تحول عقائدي في أكثر الحركات الإسرائيلية عقائدية. وهذا التحول يضم موافقة ضمنية بوقف بناء المستوطنات واستعدادا لإزالة المستوطنات القائمة. كما ويجب ألا يقلل من الأهمية العقائدية لهذا القرار، فهي المرة الأولى في التاريخ الحديث للنزاع الذي يوقف فيه حزب صهيوني رئيسي، ما يعتبره الفلسطينيون أهم معيق لتطلعاتهم الوطنية، وهي خسارة الأرض نتيجة لنشاطات الاستيطان اليهودي الصرف.

وبغض النظر عن النتيجة، ليس هناك من شك في أن التحرك باتجاه عكس المواقف الإيديولوجية التي تمسك بها الإسرائيليون والفلسطينيون لفترة طويلة هو نتيجة مباشرة للانتفاضة الفلسطينية المستمرة منذ ثلاث سنوات. وبدون مساواة بين التحركين، فقد حدث ذلك لأن كلا الشعبين مقتنع أنه من غير الممكن العودة إلى إسرائيل، أو الإبقاء على المستوطنات. ولكننا لم نصل إلى تلك المرحلة بعد، فإسرائيل لم تستغن عن جميع المستوطنات التي بنيت على أراض فلسطينية احتلت عام 1967، كما لم يتم إخراج قضية اللاجئين الفلسطينيين من الخريطة السياسية. فالفلسطينيون يؤمنون بصدق إن هذه القضية لن تحل ما لم تعترف إسرائيل بمسئوليتها السياسية والمعنوية عن نشؤ قضية اللاجئين الفلسطينيين أصلاً. بالإضافة إلى ذلك، هناك عدد من القضايا الأخرى يلوح في أفق الصورة، ومن بينها القدس، والحدود، والوصل بين غزة والضفة الغربية، إضافة إلى العلاقة الاقتصادية بين الدولتين.

إن الاعتراف بأن كلا من الفلسطينيين والإسرائيليين قد قاما بقفزات عقائدية هامة قد تشكل نقطة تحول مفصلية إذا وجد ما يكفي من حسن النية للانطلاق منها والبناء عليها. ولكن إذا لم يتم البناء على هذه التحولات العقائدية بصورة سريعة وفاعلة فسوف نجد أنفسنا في الوضع نفسه الذي كنا فيه قبل سبع سنوات من أوسلو، حيث كثر الكلام السياسي الجميل دون اتخاذ قرارات هامة على الأرض

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .