فبراير 16 2004

هل “الحرة” فعلاً حرة

نشرت بواسطة الساعة 12:00 ص تحت فئة أميركا والشرق اﻷوسط -

طلت علينا الاقمار الإصطناعية يوم السبت الماضي بمحطة فضائية جديدة هذه المرة من واشنطن. وخلافا للتقليد الأمريكي الإعلامي المبني على الإستقلالية والإعتماد على المشاهد من خلال الإعلان، فإن المحطة التلفزيونية الأمريكية الجديدة مثل اخواتها المحطات العربية غير معتمدة على المشاهد لبقائها وليست مستقلة.

“الحرة” جاءت بعد إذاعة “سوا” ومجلة “هاي” وجميعهم يهدف الى تحسين صورة الولايات المتحدة الأمريكية في العالم العربية. كافة وسائل الاعلام هذه تمول من قبل دافع الضريبة الأمريكي Ùˆ لكنها بالاساس جاءت بناء على رؤية واشنطن الخاطئة Ùˆ التي تعتبر أن مشاكل أمريكا في العالم العربي تأتي من خلال محطات فضائية مثل “الجزيرة” Ùˆ”العربية” متجاهلة أن السبب الحقيقي لعداء العرب لأمريكا هو سياسة أمريكا الخارجية. فالعرب لا يزالوا بغالبيتهم معجبون بامريكا ونظامها Ùˆ ديمقراطيتها لشعبها الموجود داخل حدودها. ولكن خارج حدود امريكا يتم تنفيذ سياسية مخالفة للحرية والاستقلالية.

وإذا كان هناك أدنى شك في عدم استقلالية “الحرة” فقد جاءت الإجابة سريعة في اليوم الأول للبث عندما أجرى مدير عام المحطة موفق حرب مقابلة مع الرئيس الأمريكي جورج بوش.

وقد بدأ حرب مقابلته بإعطاء الملاحظة للرئيس الأمريكي أن “الحرة” تمشيا مع التقليد الأمريكي الصحفي العريق ستسأله أسئلة صعبة ولن تتردد في إثارة المواضيع الحساسة. ولكن ما جرى في اللقاء جاء عكس ذلك. فمثلا قال حرب للرئيس الأمريكي ضمن سؤال عن الحرب الأمريكية ضد العراق “عندما دخلنا إلى العراق” وكأن السائل والمجيب طرف واحد. وهو الدرس الاول لاي اعلامي حر Ùˆ مستقل أن لا يقع فيه. فمبدأ استقلالية وحرية الاعلام مبنية على المسافة بين السائل Ùˆ المجيب وليس التساوي.

أما فيما يخص الأسئلة التي سألها موفق حرب عن أسلحة الدمار الشامل في العراق وليبيا وكوريا فلم يجرؤ السائل العربي الاصل بالنطق بسؤال واحد حول أسلحة الدمار الشامل الإسرائيلية ناهيك عن الجدار والقمع الإسرائيلي المستمر للشعب الفلسطيني. وعكس التحييز الذي أبداه حرب في طرح كلمة “نحن” عند ذكر العدوان على العراق فقد جاء السؤال الوحيد عن سياسة أمريكا تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بالحياد الكامل عندما قال حرب لبوش: يقولون في العالم العربي أن سياستكم غير حيادية. وعندما رد بوش بأنه يدعم الدولة الفلسطينية وأن خارطة الطريق لا تزال قائمة لم يتحد حرب هذا الجواب بل انتقل إلى موضوع آخر.

وربما اسوأ ما جاء في المقابلة الحصرية Ù„ “الحرة” مع الرئيس الأمريكي ما جاء على لسان جورج بوش بعد الإنتهاء من المقابلة، وهو الأمر الذي سمعه المشاهدون، حيث قال بوش لمدير تلفزيون “الحرة” العبارة الأمريكية ” “Good Job أي أنك قمت بعمل حسن.

فليس المفهوم من هذه العبارة ما إذا كان الرئيس الأمريكي سعيد من سهولة المقابلة أو من عمل حرب في “الحرة” بشكل عام أو إذا كانت عبارة مجاملة عابرة.

لقد تلى المقابلة مع الرئيس الامريكي حوار صريح مع محلل لبناني بهدف الالتزام بمبداء الراي و الراي الاخر و لكن الضرر كان قد تم.

لا يعني هذا ان “الحرة” لن تنجح في بعض الامور. فبوجود “الحرة” سيحصل المشاهد العربي على قدر أكبر من المعلومات Ùˆ الاراء. ولكن هذا النجاح سيكون متواضعا جدا بالنسبه لحجم الاستثمار Ùˆ التوقعات. فالتاثير الحقيقي على الشعوب ياتي من خلال السياسات Ùˆ ليس بتوريد المعلومات والاراء الموجهه التي طالما حارب ضدها من يؤمن حقا بالديمقراطية. فالتجارب السابقة للاعلام الموجه كفيلة بالاجابة علي اي تساؤل. فالزعماء العرب حاولوا ولا يزالوا يحاولوا بث موقفهم من خلال اذاعات أرضية Ùˆ ثم فضائية بدون نتائج تذكر. كما ويقوم الاسرائيليون بمحاولات مماثلة دون تأثير.

“الحرة” محطة تلفزيونية ستكلف المواطن الأمريكي ملايين الدولارات وستواجه مشكلة شاقة جدا في تغيير القلوب العربية التي سئمت السياسة الأمريكية وليس الأمريكان وحضارتهم. كان من الافضل من امريكا العمل على بث ارائها من خلال الاعلام العربي الحالي ذات مصداقية عالية Ùˆ لو أنه ليس مواليا 100% لسياسة بوش –مثلما الاعلام الامريكي ليس مواليا 100%- بدل من خلق اعلام جديد يكرس المبداء الخاطئ فيما يخص الديمقراطية الحقيقية. فقد فعلت “الحرة” ما يجب أن تتوقف أمريكا عن عمله وهو العمل بمعيارين. فلو كانت “الحرة” موجهه الى داخل أمريكا لما بقيت على الحياة يوما واحدا لأن النظام الأمريكي وحرية التعبير وضرورات المنافسة الشريفة الإعلامية تتكفل بعدم بقاء محطة غير مستقلة.

إن مبادئ وممارسات الحرية كما هي موجودة في الولايات المتحدة أمرا مهما وجيدا ويتمنى كل عربي مخلص أن يتم تحقيقه في عالم عربي تحكمه أنظمة غير ديمقراطية، ولكن تصدير الحرية لا يتم بالهروب من مواجهة صريحة Ùˆ حقيقية لأخطاء أمريكا في سياستها. فإذا كانت “الحرة” فعلا حرة فعليها أولا الدفاع عن حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الإحتلال الغاشم والترويج لحقه في الاستقلال وممارسة السيادة على أرضه. هذا هو التحدي الحقيقي الذي ستواجهه “الحرة” وكل وسيلة إعلام تحاول أمريكا الإحتماء خلفها للتغطية على أخطائها في الشرق الأوسط بشكل خاص والعالم بشكل عام.

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .