يوليو 01 2005

البرنامج الوثائقي “رؤية للمستقبل” – حلقة المستوطنات اليهودية

نشرت بواسطة الساعة 12:00 ص تحت فئة السياسة الفلسطينية -

الزعم الفلسطيني المتكرر بأن الإسرائيليين يتفاوضون فيما بينهم يمكن إثباته بأفضل صورة عند التطرق إلى النقاش الجاري حول المستوطنات اليهودية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. الحركة الاستيطانية، التي يعتبرها العديد من الإسرائيليين جوهر الحركة الصهيونية، أصبحت اليوم تشكل انعكاساً لكل ما هو خطأ في هذه العقيدة. كيف يمكن إذاً تفسير الحوار الملتهب في إسرائيل حول خطط عكس اتجاه التوسع الاستيطاني في غزة وبعض الأجزاء الشمالية من الضفة الغربية؟

هذا الحوار الإسرائيلي بشكل واسع هو النقطة المحورية لحلقة “المستوطنات”ØŒ وهي الحلقة الأولى من برنامج وثائقي تلفزيوني من أربع حلقات عنوانه “رؤية للمستقبل”ØŒ سيتم عرضه مساء السبت القادم الثاني من تموز/يوليو الساعة الثامنة مساءاً على شبكة “معاً” التي تضم عدداً من التلفزيونات المحلية الخاصة، والتلفزيون الفلسطيني الرسمي، بينما يعرض الساعة السابعة والنصف مساءاً بتوقيت القدس على محطة أبو ظبي الفضائية، كما يعرض باللغة العبرية على المحطة الثامنة في إسرائيل في الساعة الثامنة والنصف مساءاً.

الحوار الأكثر إثارة للانتباه في الحلقة يدور حول أخوين، الأول هو اليميني المتطرف والوزير السابق بيني إيلون، الذي يصرح بوضوح أنه إذا أراد الفلسطينيون دولة مستقلة فعليهم الذهاب إلى الأردن، والتي يسميها الدولة الفلسطينية. يتكلم إيلون الملتحي عن فلسطين بتعابير دينية، محوّلاً الله إلى وكيل عقاري أعطى، حسب رأي إيلون، فلسطين إلى اليهود. وكما هو الحال في الحوار مع أي شخص متديّن متطرف، يمتلئ الحوار مع إيلون بتفسيرات توراتية. وهو لا يقبل أية وجهة نظر تخالف تفسيراته. من ناحية أخرى فإن أخاه آري إيلون، وهو أستاذ جامعي متخصص في العلوم الدينية، يفضّل الانسحاب من المستوطنات ويتكلم عن حتميّة إقرار الإسرائيليين بعدم وجود خيار غير التوصل إلى تسوية مقبولة مع الفلسطينيين.

وبينما يتجادل الإسرائيليون فيما بينهم، يثير الفلسطينيون عدة نقاط هامة في البرنامج الوثائقي. تتحدث عائشة فرح وعائلتها من قرية دروة القرع في الضفة الغربية عن كيف لم تتمكن من رؤية بناتها المتزوجات خلال السنوات الماضية لأن المستوطنين اليهود يحيطون بمنزلها. تندب بحزن أشجار الزيتون والأجاص التي اقتلعت من جذورها لتوفير الأرض للمستوطنين وأمنهم. ثم يقول بيني إيلون أنه لا يشعر بأي ندم لاقتلاع الأشجار، مغطياً دفاعه هذا بالدواعي الأمنية. “إذا احتجت، لدواعٍ أمنية، إلى اقتلاع حتى المئات من أشجار الزيتون فسوف أفعل ذلك – وليس فقط أشجار الزيتون – دون أية رحمة”.

ويوضح صلاح التعمري، المقاتل السابق في فتح وعضو البرلمان الفلسطيني حالياً موقفه قائلاً: “لا نريد نقاط التفتيش. لا نريد الجنود الإسرائيليين ليتحكموا بنا وبكرامتنا… لا نريد العيش في كانتونات. لا نريد العيش في معسكرات اعتقال”.

ويعرض دوف سداكا، وهو إداري إسرائيلي سابق في الأراضي المحتلة وجهات نظر مماثلة بشكل مثير للدهشة لبعض الفلسطينيين في البرنامج. فهو يشرح كيف تبذر المستوطنات ونقاط التفتيش المرافقة لها بذور الحقد التي سوف يكون من الصعب جداً التخلص منها. كما وردت تصاريح مماثلة مضادة للمستوطنين على لسان مراسل الشؤون العسكرية لصحيفة هاآرتز، زئيف شيف، الذي استخدم تعبير “سرطان” في وصفه للمستوطنات.

ويتعرض جدارالفصل الذي أنشئ حديثاً لهجمات مماثلة من قبل الإسرائيليين والفلسطينيين الذين تمت مقابلتهم في البرنامج الوثائقي. فالجدار الذي يبلغ طوله 590 كيلومتراً نجح في الجمع بين الجنرال الإسرائيلي السابق دوف سداكا والمحارب الفلسطيني السابق صلاح التعمري في التعبير عن معارضتهم للجدار كما يجري إنشاؤه حالياً. لو جرى بناء هذا الجدار على امتداد الخط الأخضر لما عارضه الفلسطينيون كما يقول صلاح التعمري.

وبعكس معظم الأفلام السينمائية التي تعالج هذا النزاع، فإن البرنامج الوثائقي “رؤية للمستقبل” لا يتوقف عند تحليل المشكلة وإنما يحاول توفير مقترحات حول الأشكال المحتملة للحلول. ولإظهار الكيفية التي ستكون عليها الحياة بعد تفكيك المستوطنات اليهودية، قرر منتج البرنامج جون ماركس من “أرضية مشتركة للإنتاج” العودة لزيارة بعض المستوطنين اليهود الذين تم إخلاؤهم من سيناء بعد اتفاقية السلام المصرية-الإسرائيلية.

يبدأ المستوطنون السابقون في سيناء بشرح الصدمة التي أصيبوا بها، بشكل واسع لأنهم فقدوا منازلهم ولأن أحداً لم يخبرْهم بما كان يجري. ولكنهم يعودون للحديث وإظهار كيف تحسنت حياتهم منذ ذلك الوقت. ويشهد كل من زوهار سعادة وناحوم شيفر، وكلاهما مستوطن سابق في سيناء، بشكل مقنع كيف يمكن للإنسان أن يستمر في الحياة. الثاني يظهر في مزرعة كبيرة، وهو ناجح ويصرح أنه بأفضل حال مما سبق. ويقدم إسرائيليون نصائح كثيرة عن ما بعد الاستيطان حول الحاجة لتوفير أرض للمستوطنين تماثل تلك التي تم إخلاؤهم عنها. من الناحية المالية فقد ذُكر مبلغ 500,000 دولار ككلفة معقولة للتعويض لكل مستوطن.

أما بالنسبة لمستوطنات الضفة الغربية فإن النقاش يتركز حول بعض المستوطنات وليس جميعها. زئيف شيف يتحدث عن الحاجة لأن تزيل الحكومة الإسرائيلية بعض المستوطنات، بينما يقترح تبادل في الأراضي مقابل غيرها. ويبدو أن الفلسطينيين يوافقون على اقتراح تبادل الأرض بشرط أن يتم ذلك استبدالها بأراضي مساوية لها في النوعية والمساحة. ويتم ذكر مستوطنة كفار عتصيون كمثال. فيقترح نبيل الخطيب، الصحفي الفلسطيني البارز، أن تقوم إسرائيل بتقديم أراضٍ جنوب مدينة الخليل مقابل السماح بضم مستوطنة كفار عتصيون إلى إسرائيل.

بشكل عام فإن البرنامج الوثائقي يعطي فكرة جيدة عن المشاكل الناشئة عن المستوطنات وبعض الأفكار عن كيفية وضع حلول مستقبلية. ويظهر الفلسطينيون، وهم الطرف الأضعف في هذا النزاع، بعيداً قليلاً عن كونهم مراقبين في هذا النزاع الإسرائيلي الداخلي، حيث يجادل عدد من الإسرائيليين بأنهم على استعداد للتنازل عن بعض الأرض مقابل الحفاظ على وحدة شعبهم، بينما أن معظم المستوطنين، الذين يعلنون عن أنفسهم بالألوان البرتقالية، ليسوا حتى على استعداد للتنازل ولو عن بضعة مستوطنات متناثرة في قطاع غزة.

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .