أبريل 12 2016

الصراع على القدس يتخذ شكلاً جديداً

Al-Monitor

بقلم داود كُتّاب

اتخذت المحاولات المستمرة التي تبذلها إسرائيل لتحويل القدس مدينة يهودية حصراً، منحى غير معهود من خلال السعي إلى تسييس السياحة.

تحاول خريطة لمدينة القدس القديمة أصدرتها وزارة السياحة الإسرائيلية في آذار/مارس الماضي، تثبيت هذه الرواية المشوَّهة عبر نكران واقع القدس الجغرافي. تتعمّد الخريطة التعتيم على المعالم المسيحية والإسلامية فيما تبالغ في تسليط الضوء على المعالم اليهودية.

من أصل 57 معلماً وردت الإشارة إليها على الخريطة، هناك معلم إسلامي واحد وخمسة معالم مسيحية فقط. وقد تحدّثت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية عن عبثية الجهود التي يبذلها اليمين الإسرائيلي في قطاع السياحة في مقال في الرابع من نيسان/أبريل الجاري جاء فيه: “لكن مفتاح الخريطة يصبح عبثياً فعلاً في ما يختص بقائمة المباني التي احتلّها اليهود في الحي المسلم. من أصل 57 موقعاً جرت الإشارة إليها بالأرقام على الخريطة، ما لا يقل عن 25 موقعاً يهودياً هي عبارة عن مبانٍ – فضلاً عن كُنس ومعاهد دينية – لم يُسمَع بها من قبل، حتى من جانب أدلاّء سياحيين متمرسين”.

قال رائد سعادة، رئيس التجمع السياحي المقدسي، وهو عبارة عن مجموعة مؤسسات تسعى إلى الدفاع عن السياحة الفلسطينية، لموقع “المونيتور” إن الإسرائيليين يحاولون حصر معالم القدس بطريقة تعكس فقط الهوية اليهودية.

أضاف: “نعتبر القدس مدينة عالمية. لا تضاهيها أية مدينة أخرى في عدد الجهات المعنيّة التي تنتمي إلى الأديان الكبرى حول العالم”. واعتبر سعادة أن الفلسطينيين يحاولون باستمرار أن يعكسوا التنوّع الحقيقي الذي تتميّز به المدينة، قائلاً: “في كل مطبوعاتنا وخرائطنا وما شابه، نحاول التشديد على التنوّع الذي تتمتع به المدينة منذ آلاف السنين. وبالنسبة إلينا، الركيزة الأساسية في كل جهودنا هي العنصر البشري”.

أقرّ سعادة بأن الإسرائيليين هم أصحاب الأمر والنهي، قائلاً: “يبذلون قصارى جهدهم لادّعاء شكل من أشكال التنوع الإسرائيلي بدلاً من القبول بواقع المدينة المتعددة الثقافات التي يجب أن تكون مصدر اعتزاز للجميع”.

قال وزير السياحة والآثار الأردني، نايف الفايز، لموقع “المونيتور” إن محاولة احتكار القدس لن تنجح، مضيفاً: “المحاولات الهادفة إلى جعل القدس حكراً على مجموعة واحدة أو دين واحد هي محاولات عقيمة. القدس مدينة مقدّسة بالنسبة إلى الأديان التوحيدية الثلاثة، وتضم عدداً كبيراً من المعالم الإسلامية والمسيحية واليهودية. بالنسبة إلينا، القدس مهمة للجميع”.

وافقت إسرائيل على منح الأردن دوراً خاصاً في ما يختص بتحديد الوضع النهائي للقدس، وذلك في معاهدة السلام الأردنية-الإسرائيلية التي أُبِرمت في العام 1994. وكذلك أعطت القيادة الفلسطينية الأردن والهاشميين مكانةً خاصة في المسائل المتعلقة بالأماكن المقدسة في القدس. في آذار/مارس 2013ØŒ وقّع الرئيس الفلسطيني محمود عباس اتفاقاً تاريخياً يمنح الأردن الحق القانوني والسياسي لـ”صون المواقع المقدّسة المسيحية والإسلامية” في القدس.

قال جمال غوشة، مدير المسرح الوطني الفلسطيني سابقاً ورئيس نادي الأهلي حالياً، لموقع “المونيتور” إن الخريطة التي وضعها الإسرائيليون تأتي في أعقاب محاولات يهودية مماثلة لتهويد القدس ونزع الشرعية عن معالمها الإسلامية والمسيحية. واعتبر غوشة أن الإسرائيليين ينجحون في تحقيق مآربهم لأن الساحة خالية أمامهم، قائلاً: “تنصبّ كل جهود الأوقاف الإسلامية حالياً على هذا الاستفزاز اليومي، ونتيجةً لذلك، لا يهتم أحد فعلياً بتعزيز المواقع الإسلامية في المدينة القديمة”.

قال القس اللوثري في القدس، منيب يونان، لموقع “المونيتور” إن تصرّفات وزارة السياحة الإسرائيلية تنم عن عدم احترام، مشيراً إلى أنه في حين أن برج كنيسة المخلص اللوثرية يَظهر في أفق المدينة وعلى الخريطة السياحية، لا تتضمن الخريطة التي وضعتها وزارة السياحة الإسرائيلية أية إشارة إلى الكنيسة. أضاف يونان: “أشعر شخصياً بأن هذا ينم عن عدم احترام للأماكن المقدسة الخاصة بجميع الأديان. يوجّه هذا التصرف إشارات سيئة، ونحن في القدس نقدّر جميع المعالم الدينية. نريد أن يحترم الجميع الوضع القائم التاريخي. لقد احترمت جميع الحكومات، منذ مطلع القرن العشرين، الوضع القائم الديني”.

وفي حديث مع موقع “المونيتور”ØŒ اعتبر ناشر المجلة الإلكترونية This Week in PalestineØŒ ساني ميو، الذي تحدّث بفخر عن انتمائه الأزلي إلى القدس، أنه يجب سحب الخريطة الإسرائيلية، مضيفاً: “من المستبعد أن يكون إسقاط الإشارة إلى المعالم الإسلامية والمسيحية قد حدث نتيجة سهوٍ ما. لا يسعنا سوى الاستنتاج بأنه أمر متعمّد يصب في إطار السياسة الرسمية المتّبعة”.

وعلّق رامي فيليمون، الدليل السياحي ومدرّس مادّة علم آثار الكتاب المقدس، لموقع “المونيتور” بأن الإجراء الإسرائيلي هو خطوة في الاتجاه الخطأ، قائلاً: “أظن أنهم يجعلون من السياحة قضية سياسية، وهذا ليس منصفاً للسياح المسيحيين – لا سيما وأنهم يشكّلون أكثرية السياح الذين يأتون إلى مدينة القدس القديمة”.

ولفت فيليمون إلى أن وزارة السياحة الإسرائيلية توزّع هذه الخرائط مجاناً على السياح، مضيفاً: “يركّزون في شكل خاص على منطقة باب الخليل التي تقود إلى الحي المسيحي، بهدف تصوير القدس بأنها مدينة يهودية حصراً”.

تزعم الصحف الإسرائيلية أن وزارة السياحة الإسرائيلية لن تسحب هذه الخرائط، وأنها وُضِعت بالتعاون مع أشخاص متخصّصين في السياحة.

اتخذ الصراع على القدس أشكالاً مختلفة. فضلاً عن مصادرة الأراضي والأنشطة الاستيطانية المكثّفة، حاول الإسرائيليون طرد الفلسطينيين من المدينة وجعلها أكثر يهودية. يرى الفلسطينيون في الجهود الأخيرة التي يبذلها اليمين الإسرائيلي في القطاع السياحي محاولة إضافية لفرض سيطرة دين معيّن على المدينة المقدسة واحتكار القدس تحقيقاً للأطماع السياسية الإسرائيلية. ليس واضحاً إذا كانت هذه الجهود ستكتسب زخماً أو يكون مصيرها الفشل، لأن الرأي العام الدولي الذي بات أكثر اطلاعاً وثقافة لا يمكن خداعه بهذه السهولة.

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .