أبريل 03 2016

عناصر نجاح النموذج الأردني في مكافحة الإرهاب

نشرت بواسطة الساعة 10:21 ص تحت فئة مقالاتي,اﻷردن -

Al-Rai logo

بقلم داود كُتّاب

بعد كل عملية إرهابية يخرج علينا الإعلام والمحللون الغربيون باقتراحات لكيفية معالجة آفة الإرهاب والتي تستمر في حصد الأبرياء دون أي رادع أو استراتيجية واضحة لوقف تلك الهجمات.

ويقدم العديد من هؤلاء الخبراء النموذج الإسرائيلي في مكافحة العمليات الانتحارية كقصة نجاح واستراتيجية يمكن تطبيقها في العواصم العالمية. كما تعلوا غالباً أصوات سياسيين يمينيين يطالبون بأعمال واسعة ضد أبناء ديانة معينة أو عرق ما.

إلا أن النظرة السريعة للنموذج الإسرائيلي يعكس أسلوباً عنيفاً ومتوسعاً وينطوي على ممارسات عنصرية واضحة لم تثبت نجاحها رغم قسوتها.

الغريب في كافة التحليلات والنقاشات الأمنية أنه لا يوجد أي اهتمام أو اكتراث للنموذج الأردني والذي أثبت نجاحاً باهراً وفي نفس الوقت لم يشمل تعسفاً وعنصرية وعقاباً جماعياً كما هو في النموذج الإسرائيلي.

من السهل استنباط العديد من العناوين العريضة التي إن تم تطبيقها سينتج عنها نسبة عالية من النجاح رغم أنه من المستحيل إيجاد نموذج يوفر نسبة نجاح 100%.

أهم عناصر النموذج الأردني هو اعتماد الجانب الأمني والمخابراتي بشكل كبير على الجانب العسكري؛ ما يعني أن عنصر الوقاية المسبقة يحصل على دعم واهتمام أكثر بكثير من عنصر المعالجة المتأخرة. فقلع الإرهاب قبل نموه يعتبر أفضل بكثير من الانتظار لتفشي هذه الآفة.  طبعاً رغم نجاحات الجهات الأمنية في هذا المطاف إلا أن هناك حاجة مستمرة للعمل خارج النطاق المخابراتي والبحث عن مسببات مجتمعية تعود للبيئة التعليمية والثقافية والاجتماعية ولكن هذا موضوع أوسع وبحاجة إلى دراسة مجتمعية.

جزء من العملية الوقائية يشمل الاستفادة من فهم معمق لعناصر المجتمع الأردني ومفاتيحه، بما في ذلك العشائر ومجتمعات اللجوء سواء كان ذلك من فلسطينيين أو غيرهم، والتواصل الحثيث مع ممثلي تلك الفئات لضمان استمرار معرفة أصحاب الشأن بما يحدث في مجتمعاتهم وبين أبنائهم. الفكرة هنا ليست فقط في مجال التحري والوشاية ولكن في مبدأ الفهم الحقيقي للمجتمع ومعالجة الظواهر السلبية والتي قد تصل إلى التحول العنيف ضد الدولة.

وفي هذا المجال تحاول الدولة الأردنية توفير الحد الأدنى الضروري لتجنب وصول مسببات الاحتجاج إلى التحول غير المريح.  طبعاً الدولة ذات ميزانيات محدودة لا تستطيع أن توفي بكافة الاحتياجات المرتبطة بالجانب المالي، ولكن من الممكن انتزاع الفتيلة لمنع تفاقم مشكلة تعتقد الجهات المتخصصة أنها قد تتسبب بأضرار مستقبلية.  هذا يتطلب تناغماً عالي الجودة بين الجهات المختلفة لضمان الحفاظ على الأمن والأمان.

قد تكون تسمية وزير الداخلية ومدير عام الأمن الأردني السابق حسن المجالي أفضل تسمية لتلك الاستراتيجية والتي أسماها آنذاك بسياسة الأمن الناعم المعتمدة على احتواء وليس محاربة كل من يعترض. وقد كان ذلك النموذج جلياً في كيفية تعامل الأمن مع أحداث الربيع الأردني وانعكست بصورة حضارية كتقديم الماء للمتظاهرين، أحد أبرز معالم تلك السياسة.

فسياسة الأمن الناعم تعتمد على مبدأ هام وهو التعمق في العمل المجتمعي وتقليل الضرر غير المباشر الذي يصيب المجتمع الواسع.

إن سياسة الأمن الناعم لا ترفض الخشونة ولكنها تحددها وتعمل على انتزاعها بأقل الأضرار للمجتمع المحلي. فمع الاهتمام بما يسمى منهجية الثواب والعقاب للحفاظ على عامل الردع، يمكن الاهتمام أيضاً بكيفية إدارة العقاب في التعامل الأردني مع الأشخاص الذين يشكلون خطورة على المجتمع.

يعتمد النموذج الأردني على عدم التوسع في التهجم على أية جهة غير متورطة، منطلقاً من مبدأ تعامله مع أبناء مجتمعه وليس مجتمعاً غريباً.

وبعكس النموذج الإسرائيلي الذي لا يبدي أي اهتمام بالمجتمع المحلي الفلسطيني، وبذلك يضرب بعنف وعشوائية تصيب الصالح والطالح (بحسب فهمهم)، فإن النموذج الأردني يعامل الإرهاب كما يعامل طبيب جراح وَرَماً سرطانياً في الرأس، فهو يركز فقط على الورم الخبيث بهدوء ودقة ويحاول بقدر المستطاع تجنب أي ضرر لأعضاء هامة في الرأس والجسم.

تقليص المتضررين – خاصة غير المتورطين- يقلل من مضاعفات العملية ويقلل من مشاكل وتعقيدات الرغبة بالانتقام والشعور بالأذى لمن هم أبرياء.  فإذا كان منطلق مكافحة الإرهاب نابعاً من حماية الأبرياء فما المنطق في إيذاء أبرياء ولو كان ذلك في إطار مكافحة الإرهاب؟

كما ورغم تغليظ العقوبات على المشاركين والمتعاونين مع الأعمال الإرهابية، إلا أن أحد أبرز معالم النموذج الأردني في التعامل مع الإرهاب هو دائماً وجود فرص للتوبة والعودة للدولة الحاضنة.  فمنذ أيام الملك حسين وهناك سياسة واضحة في التسامح مع من يتراجعون عن أخطائهم، وفي العديد من الأحيان تكريمهم وتوفير وظائف لهم، بما في ذلك مناصب عليا في الدولة، الأمر الذي ينزع منهم القدرة على العودة إلى ما كانوا عليه.

هناك مزايا كثيرة للنموذج الأردني في تعامله مع الإرهاب. وقد يحتاج هذا النموذج كتاباً كاملاً لتوضيح معالمه واستراتيجياته وتكتيكاته، حيث أن أهم مزايا نجاح الاستراتيجية الأردنية هو تقليص العمليات الإرهابية على الأرض الأردنية، دون الهروب إلى “شيطنة” أبناء المجتمع أو إحداث ضرر لأشخاص لا علاقة لهم بتلك الآفة.

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .