مارس 09 2016

الممنوع والمسموح في “حادثة إربد”

نشرت بواسطة الساعة 12:21 م تحت فئة مقالاتي,اﻷردن -

زاوية تكوين/موقع عمان نت

أصبح اعتماد المواطن على الإعلام، خاصة الإلكتروني والتواصل الاجتماعي، جزءً أصيلاً من عناصر الحياة اليومية، فلدى كل مواطن اليوم هاتف خلوي يحتوي على بوستات فيسبوك، ومداخلات واتساب، ورسائل وتقارير وإشاعات تخلط الحابل بالنابل.

توسّع رقعة منصات الإعلام كسر احتكار ملكيته، لكن للأسف لم يتغيّر الكثير من المحتوى الإعلامي، بل بالعكس أنتج فائضاً مزعجاً من المعلومات من دون محررٍ أو حارس يقوم بفرز الخبر الصحيح عن الكاذب.

أتحفنا موقع إخباري عند الساعة 9:58 من مساء الخميس الماضي بالعنوان التالي: “الصحف البريطانية تشيد بجلالة الملك حفظه الله”ØŒ وفي نص الخبر المقتضب نقَل الموقع عن صحيفة “الاندبندنت” عبارة: “كلنا بحاجة لدرس في الأخلاق والتواضع يعطينا إياه العاهل الأردني”.

ربما أثلج الخبر صدر كثيرين، إلا أنه خبر ملفّق لا أساس له من الصحة، وعند إجراء بحث سريع على موقع “الاندبندنت” ومواقع صحف بريطانية معروفة لم يظهر التصريح المذكور، وقد قام رئيس تحرير الموقع الذي نشر الخبر بإزالته عن الموقع بعد يومين من دون اعتذار أو توضيح لمتابعيه أنه غير صحيح بتاتاً.

الأخطر هو أن 31 موقعاً أردنياً نشَر الخبر ذاته من دون التأكد منه أو ذِكْر الموقع الأصلي الذي اختلق الخبر، ووصل الأمر أن استشهد به رئيس الوزراء عبد الله النسور، في لقائه بعائلة الزيود في الزرقاء، من غير تدقيق أو تمحيص.

لم تهز الواقعة أحداً، ويبدو أن التزوير الإعلامي بات مقبولاً طالما كان التزوير لـ”صالح” الأردن، في حين أن نشْر خبرٍ فيه نوعٌ من الخروج عن الخط الرسمي، مهما كانت صدقيته، سيجرّم صاحبه بالطبع.

في مقابل هذا الإسهال بالنشر غير الموثّق خرجت علينا هيئة الإعلام، مرة أخرى، بتعميم يحذّر نشر الأخبار حول أحداث إربد، استناداً إلى قرار صادر عن محكمة أمن الدولة، وليس معروفاً سبب هذا القرار ومدى شموله للأخبار والتعليقات.

قد يكون واضحاً ضرورة منع النشر في موضوع يتعلق بما يجري في التحقيق، وعدم نشر محضر التحقيقات مع المتهمين، غير أن قرار المنع لا يحدد ماذا يشمل، فهل تم إصداره لوقف توزيع الفيديوهات والأخبار والإشاعات، وهل هناك أساس قانوني للمطالبة باستثناءٍ يتعلق بأمر دستوري يمنع صراحةً أية رقابة مسبقة؟

هل يشمل القرار منْع نشر شهود عيان لما حدث في إربد، مثلاً، وهل يشمل ما يتم تداوله من خلال الموبايل والواتساب وغيرها، وهل جاء بعد فضيحة خبر “الاندبندنت” الكاذب أم له علاقة بالتحقيق مباشرة؟

تساؤلات كثيرة إن كانت تشمل منع نشر تعليقات وتحليلات سياسية أم تنحصر بعدم نشر ما يجري ضمن التحقيقات مع مشتبهين! وإن كانت هناك آلية لمعرفة الإجابات على هذه الاسئلة لدى هيئة الإعلام أم تملك محكمة أمن الدولة القرار القاطع في ما يسمح نشره أو لا، وما هي المدة المحددة لهذا المنع أم أنها مفتوحة؟  التخبط الإعلامي والرسمي يشير إلى ضرورة خلق إطار ذاتي لتنظيم الإعلام، فمن الصعب -إن لم يكن من المستحيل- أن تقوم الحكومة بعملية التنظيم من خلال تعميمات غير دستورية حول الرقابة المسبقة في حين هناك ضرورات قد تكون مقنعة بالامتناع أو التقيّد لموضوع خاص بعينه لفترة محددة لما فيه المصلحة العليا للدولة.

في الأيام الأخيرة، قامت مجموعة من النشطاء بإعلان حملة بعنوان “الحكي مش جريمة” في محاولة للضغط على المشرّع لتعديل قانون الجرائم الإلكترونية، خاصة البند 11 الذي يتيح للمدعي العام استدعاء صحفي على خلفية تهمة التشهير.  والمعروف بأن المعايير الدولية تدعو إلى الحكْم على قضايا التشهير بعقوبة السجن أو بغرامات مالية عبر القضاء، وليس من قبل جهاز الدولة التنفيذي.

يزداد الإعلام قوة وتأثيراً، يوماً بعد يوم، ومن الضروري تنظيم مهنة الإعلام بصورة طوعية تضمن حق التعبير لكل مواطن، وفي الوقت نفسه تتم حماية المجتمع.  بقاء الوضع كما هو عليه من دون محاسبة من يلفّق الأخبار، بموازاة تكميم الأفواه بقرار عام وغير محدد، سيفرض على كل المدافعين عن حقوق الإنسان، ومنها حق التعبير، وقفة مهمة وجادة.

 

داود كتّاب: مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي. أسس العديد من المحطات التلفزيونية والإذاعية في فلسطين والأردن والعالم العربي.

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .