فبراير 10 2016

عندما يتفوق العرف على القانون

نشرت بواسطة الساعة 11:05 ص تحت فئة مقالاتي,اﻷردن -

زاوية تكوين/موقع عمان نت

من الأسس، التي تقوم عليها الدولة الحديثة، سمو القانون والأنظمة المكتوبة على كل أمر عداها بما في ذلك رغبة المسؤول أو النخب الحاكمة. ورغم ادعائنا بأننا نعيش في دولة القانون والمؤسسات إلا أن النصوص المكتوبة والاتفاقيات لا وزن لها مقابل أهواء المسؤول. مكالمة هاتفية من موظف مخابرات تهزنا وتثنينا عن تنفيذ القانون، واتصال من مكتب المحافظ بفندق يعد أقوى من التشريعات، والمطالب العشائرية تصبح أهم من نصوص دستورية.

 

في أحيان كثيرة، فإن من يرفع صوته يكون أقوى من سلطة الحق والقانون والنظام!

 

لاحظت هذا مؤخراً خلال نقاش عائلي، فكلما فشل أحد أنسبائي في الدفاع عن قرار وإجراء غير قانوني يأتي بجملة مكررة بأنه يجب احترام العرف في بلدنا، وكأن الأعراف تفوق في قيمتها القانون والدستور. هذا الوضع غير الملزم يوفر مخرجاً لمن لا يرغب بالالتزام بنص الكلمة المكتوبة ويفضل الصيغ الفضفاضة على النصوص الواضحة والدقيقة.

 

المنطق ذاته يتكرر في العديد من التعاملات بين الناس، ومن الأسهل عليهم قبول الإشاعات وترديدها بدلاً من التأكد من صحتها، ولغة التهديد والوعيد باتت من أهم وسائل الضغط على مدير أو مسؤول، وكل ذلك يدل على ضعف الحجة واحترام الكلمة والنص المدوّن.

 

ولا زلنا نحلّ معظم مشاكلنا بالطريقة العشائرية، وإن ادعينا الحضارة وتقلدنا مناصب عليا، وكأن الحمض النووي فينا يميل بصورة كبيرة للحلول السهلة والاتفاقات الآنية غير الملزمة.

 

لست معترضاً على إيجاد حلول وتفاهمات لقضايا كثيرة عوضاً عن التوجه للمحكمة في كل صغيرة وكبيرة. لكن المشكلة تكمن في أننا نتوصل إلى اتفاقيات وتفاهمات تعارض أحياناً المبادئ والقوانين فقط لأننا نريد أي حل.

 

ربما كانت الحلول العشائرية، في وقت ما، مناسبة لطبيعة المجتمعات التي كانت متنقلة وتعتمد على زعيم العشيرة في توفير أساسيات الحياة، غير أننا في القرن الحادي والعشرين، نعيش أجواء مدنية ومجتمعات متداخلة في مدن مختلطة لا يعرف الإنسان فيها جاره أو من يسكن في الحي الذي يقطن فيه، ولا بدّ من إيجاد وسيلة أكثر عدالة وأسهل تطبيقاً من التفاهمات والأعراف التي كانت تطبّق في أزمنة مختلفة.

 

يحتكم الفرد، اليوم، إلى الاتفاق المكتوب، وإلى النصوص القانونية الواضحة، والى العقد المجتمعي المتفق عليه وهو الدستور. وباحترام تلك النصوص يمكن حل الخلافات بين الأفراد، وفي حال تعثر الحل يتم اللجوء إلى القضاء المستقل.

 

الالتزام بالنص وتقبّل سيادة القانون غير سهل، ويتطلب ممارسات صحيحة وأشخاصاً ملتزمين يصبحون قدوة للمجتمع. في حين نرجع إلى الوراء سنين عندما نأتي بممارسات غير صحيحة، وأحياناً غير دستورية يقوم بها مسؤولون في مواقع مهمة.

 

رغم التقدم الملموس الذي نشهده في بلادنا، إلا أننا نرى نظاماً موازياً وقانوناً غير مكتوب يتم الاستفادة منه في التحايل على النصوص المكتوبة والمتفق عليها. وما تسمى بـ”ضعوط الهاتف” تمارس على النواب ليصوّتوا خلافاً لقناعاتهم، وهو أوضح دليل على غياب احترام إرادة الشعب الممثلة بأفراد يتم انتخابهم لتمثيله.

 

قد تكون الضغوطات على النواب المنتخبين مسألة طبيعية في كافة الدول والمجتمعات، لكن عندما تأتي الضغوطات من جهة رسمية أو سلطة تنفيذية فإن ذلك ينسف مبدأ فصل السلطات.

 

الضغوطات ومحاولات تغيير الواقع من خلال استخدام القوة الخفية في المجتمع ليست محصورةً بجهة ما، ويمكن ملاحظتها في العديد من الممارسات غير القانونية وغير الأخلاقية في مجتمعنا.

 

تقدم المجتمعات يتطلب بالأساس احترام الكلمة المكتوبة بالعقود والاتفاقيات والتعهدات، وعلينا أن نبدأ باحترام الكلمة المكتوبة.

 

داود كتّاب: مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي. أسس العديد من المحطات التلفزيونية والإذاعية في فلسطين والأردن والعالم العربي.

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .