ديسمبر 16 2015

هل العدالة عمياء في بلادنا فعلاً؟

نشرت بواسطة الساعة 11:57 ص تحت فئة مقالاتي,اﻷردن -

زاوية تكوين/عمان نت

بقلم داود كُتّاب

تحضر في أروقة الساسة والمشرّعين، في أنحاء العالم كافةً، مدرستان فكريتان تسعيان إلى تحقيق العدالة، وإصلاح الخارجين على القانون؛ مدرسةٌ تؤمن بتغليظ العقوبات المصادرة للحريات عبر زيادة مدة السجن الفعلي للمخالفين، بما في ذلك المخالفات غير العنيفة، مقابل مدرسة فكرية أخرى تؤمن بتقليص العقوبات، خاصة السجن، لما لتلك العقوبة من مضاعفات تساهم في ارتفاع معدلات الجريمة بدلاً من انخفاضها، علاوةً على التكلفة الباهظة، ومنها تكلفة السجون نفسها على المجتمع، وتكلفة غير مباشرة من خلال الازدياد الكبير لخريجي السجون المنبوذين اجتماعياً، وهو ما يسبب جرائم جديدة تحمّل المجتمعات تكاليف إضافية.

ينتمي الأردن -بدرجة كبيرة- إلى المدرسة الأولى، وهو ليس الوحيد في هذا الاتجاه المتشدد حيال المنتهكين للقانون، سواء كان ذلك إجراماً عنيفاً أو غير عنيف (مثل المخدرات والتهرب الضريبي)، وترتفع لدينا مدة المحكوميات حتى للمخالفات غير العنيفة.

الغريب في الأمر أن أعلى نسبٍ للسجون والسجناء وأطول فترات الأحكام حتى للقضايا غير العنيفة هي في الولايات المتحدة. هناك أكثر من 2.3 مليون شخص خلف القضبان في أميركا، بينما لا يصل عدد السجناء في الصين -الذي يبلغ عدد سكانه أربعة أضعاف سكان الولايات المتحدة- إلى 1.6 مليون. وتختلف الحال من ولاية لأخرى، إذ تصل نسبة السجناء في ولاية “تكساس” الجنوبية إلى 1000 لكل 100,000ØŒ في حين تبلغ النسبة في ولاية “منسوتا” الشمالية الـ 300ØŒ وفي ولاية “مين” الليبرالية يصل العدد إلى 273 لكل 100,000. المعدل الأميركي هو 693ØŒ مقارنة بنسبة السجناء في السويد، وهي 83 لكل 100,000، وتصل نسبة السجناء في الأردن إلى 150 لكل 100,000 فرد.

عملية السجن وطول مدة المحكومية من اختصاص السلطة القضائية، الذي يشكل التحيّز فيها عاملاً مثيراً للانتباه رغم مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون كما يوضح شعار العدالة المُمَثّل بامرأة معصومة العينين تحاول الحفاظ على تساوي كفتي ميزان.

وقد دعا مؤخراً رئيس الوزراء السابق د. عدنان بدران في احتفالية بمناسبة يوم مكافحة الفساد – نظمها مركز الشفافية الأردني- إلى ضرورة معالجة جذرية لسلطة القضاء، واعتبر أنها بحاجة إلى عملية إصلاح جذرية.

لدى مراقبة كيفية تعامل السلطات العدلية يتضح عمق المشكلة وغياب المساواة بين المواطنين في سبيل تحقيق العدالة، فهناك فرق شاسع في كيفية معالجة المنتمين إلى التنظيمات الإرهابية ومن تابوا أو قرروا العودة إلى الوطن لسبب أو آخر، فتصل أحكام البعض إلى أربع أو خمس سنوات، بينما لا تجري معاقبة آخرين نتيجة تدخّل نائبٍ أو مسؤولٍ معين.

لا شك بأن التعامل مع أفرادٍ انضموا إلى حركات مثل داعش والقاعدة يحتاج إلى استراتيجية واضحة، غير أنه مهما بدت هذه الاستراتيجية متشددة أو متسامحة، فإنه يجب أن تطبّق بالتساوي من دون محاباة لابن عائلة معينة أو بسبب توسط شخصية نافذة. كأن يكون هناك سياسة واضحة تهدف إلى إقناع الشباب بالعودة إلى صوابهم وتوفير العفو لهم شرط أن لا تكون هناك تهمة مباشرة موجهة إليهم بارتكاب جرائم عنيفة ضد الأردنيين أو جرائم ضد الإنسانية مثلاً.

تحتاج المنظومة العدلية في الأردن، خاصة في ما يتعلق بالشباب المنتمين إلى التنظيمات المتطرفة، إلى وضوح وتطبيق عادل للجميع، واذا تم التوافق على أن إبقاء العقوبة المشددة يردع آخرين من الانضمام لتلك الحركات، فإن نجاح فكرة الردع يحتاج إلى إثباتٍ من خلال تطبيقه على الجميع بلا تمييز.

العدالة يجب أن تبقى عمياء تطبّق القانون بمساواة، ولا تتأثر بخلفية المتهم الاجتماعية والعشائرية أو صلته بجهات معينة يمكنها التوسط من أجله!

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .