أكتوبر 02 2015

العدالة حق للجميع

نشرت بواسطة الساعة 5:27 ص تحت فئة مقالاتي,اﻷردن -

زاوية تكوين/موقع عمان نت

بقلم داود كُتّاب *

تحمست نقابة المحامين، فجأة، هذا الأسبوع، وقررت البدء في تطبيق البند السابع من المادة 100 من قانون النقابة الذي ينص على ضرورة “الدفاع عن أي شخص يثبت للنقيب فقره وعدم استطاعته دفع اي أجور للمحامي”.

 

قد يكون هناك مسببات نقابية انتخابية، لكن الأمر لا ينفصل عن سياق الهجوم غير العادل وغير المنطقي على مؤسسات المجتمع المدني، التي تقوم بتوعية الفئات المهمشة من المواطنين وضيوف الأردن، والدفاع  القانوني المجاني عنهم.

 

إن العدالة بمعناها الشمولي حق للجميع، ومن أهم أسس تقدم الشعوب هو وجود آلية ناجعة لتوفير العدالة لمكونات المجتمع كافةً بغض النظر عن وضعها المالي.

 

توّفر الدول المتحضرة محامين للدفاع عن كل إنسان بحاجة إلى تمثيل قانوني في المحاكم، ويقوم المحامون بالتبرع بوقتهم وجهدهم للدفاع المجاني عن من هم بحاجة إلى هذه الخدمات باعتباره جزءاً من المسؤولية المجتمعية.

 

حين تغيب الآليات التي تضمن تمثيلاً قانونياً للفئات المهمشة، ولا يلتزم المحامون بالتبرع بالدفاع المجاني عن الفئات غير القادرة، بادرت عدد من المؤسسات غير الحكومية بملء هذا الفراغ من خلال مجموعة نشاطات تشمل التوعية القانونية والدفاع عن المحتاجين للخدمات، ومن يقوم بتلك الخدمات القانونية هم محامون مسجلون في النقابة، ويتم دفع بدل أتعابهم بشكل منطقي ومنصف.

 

تحرك بعض أعضاء مجلس نقابة المحامين بصورة مخالفة لتوجهات وآراء جمهور المحامين من الهيئة العامة، على اعتبار أن تلك النشاطات القانونية المجتمعية تهددهم، ويجب محاربتها متذرعين بصيغ مختلفة مثل التمويل الأجنبي وغيرها من الحجج غير المنطقية. قد يعود سبب الهجوم إلى أن مجلس النقابة، الذي يغلب عليها الطابع السياسي بدل المهني، تقاعس عن القيام بدوره المتمثل بتوفير العدالة للجميع، وهو ما اضطر رئيس المجلس القضائي بالإيعاز للنقابة أن تقوم بواجبها حسب المادة 100 من نظامها الداخلي.

 

رسالة رئيس المجلس القضائي تم ترجمتها بالقرار في الدفاع المجاني عن الفقراء من دون أي إستراتيجية وميزانية سوى القول إن رسوم المحامين ستزيد لتغطية تلك التكاليف. لا شك أن النقابة تقدم منذ تأسيسها خدمات قانونية للمواطنين بما فيها الترافع المجاني عن بعض المحتاجين، لكن بطريقة غير ممنهجة أو مؤسسة، وتترك آلاف القضايا من غير تمثيل.

 

يشكل التنافس على خدمة الفئات المهمشة أمراً جيداً ما دام يتم بحسن نية وبهدف تطبيق مبدأ العدالة للجميع، وليس من باب المناكفة ومحاولة إفشال دور المجتمع المدني في تكريس مفهوم يجب على الجميع؛ حكومة ونقابة ومجتمع مدنياً تظافر جهودهم لتطبيقه.

 

لم نسمع مرة من نقيب المحامين أو من مجلس النقابة أي أفكار أو مبادرات تهدف إلى تعديل البيئة القانونية الحالية، التي تنحاز إلى الأغنياء ممن لديهم القدرة على توفير أفضل الخدمات القانونية في حين يستمر الفقراء والفئات المهمشة من دون ضمان الحد الأدنى من القدرة على الدفاع المهني عن حقوقهم.
الواقع بحقائقه يخالف الدعاية غير المنصفة عبر تحريض بعض أعضاء النقابة ضد نشاط المجتمع المدني، إذ لا يتجاوز عدد مؤسسات المجتمع المدني التي تقدم خدمة المساعدة القانونية ثماني مؤسسات، فيما تشير أرقام الإحصاءات العامة إلى أن  أسرة من بين كل 5 أسر تتعرض لإشكال قانوني كل خمسة سنوات، وأن 30% من هذه الأسر لم يلجؤوا إلى القضاء، فيما لم يقم 52% بتوكيل محام لهم، منهم 30% بسبب عدم قدرتهم المالية لدفع أجرة المحاماة.

 

إن مبدأ العدالة للجميع قاعدة أساسية لتطوير وتقدم المجتمع وضمان حقوقه لمحاكمة عادلة وخدماته قانونية مهنية مناسبة، ومساعدة الفقراء والمحتاجين في التوعية القانونية وتقديم الاستشارة القانونية والدفاع عنهم في المحاكم الأردنية؛ النظامية والشرعية (علماً أن النقابة لا تشمل محاميي القضاء الشرعي) هو حق أساسي مكفول في الدستور من خلال النص القانوني بأن المحاكم مفتوحة للجميع، وافتراض براءة المتهم، إضافة إلى التزامات الأردن بالمواثيق والمعاهدات  الدولية، فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي وقع عليه الأردن، ينص في مادته السابعة: “كل الناس سواسية أمام القانون ولهم الحق في التمتع بحماية متكافئة عنه دون أية تفرقة، كما أن لهم جميعا الحق في حماية متساوية ضد أي تميز يخل بهذا الإعلان وضد أي تحريض على تمييز كهذا”.

 

المطلوب هو عمل مشترك تكاملي بعيدا عن أجواء المناكفة والتحريض بهدف خدمة الجمهور العام، الذي لا يزال يعاني كثيراً من نقص حاد في حقه بعدالة منصفة تساوي بين المواطنين بغض النظر عن الجنس أو الدين أو المنابت أو الوضع الاجتماعي والاقتصادي، والعدالة للجميع هدف سامي يجب على الجميع المساهمة في محاولة تحقيقه.

* داود كتّاب: مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي. أسس العديد من المحطات التلفزيونية والإذاعية في فلسطين والأردن والعالم العربي.

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .