سبتمبر 13 2015

هشاشة مجتمع بلا مرجعية

نشرت بواسطة الساعة 12:35 م تحت فئة مقالاتي,اﻷردن -

زاوية تكوين/موقع عمان نت

بقلم داود كُتّاب *

في مراجعة سريعة لمجريات الأحداث، والضجة المفتعلة وراء بث مقطع تلفزيوني من ثلاث دقائق قبل أسابيع على قناة رؤيا، يصل المتابع إلى استنتاج خطير حول هشاشة مجتمعنا. ففي غياب مرجعية قوية وموثوقة يحترمها المواطن ينقسم المجتمع بسبب أي ادعاء ورأي وإشاعة.

اجتزئ الشريط المذكور من قبل موظف ساخطٍ على مؤسسته –أنهت خدماته- ليبدأ حملة يتلقفها آخرون لهم مواقف من القناة ذاتها، وتتحول إلى عملية جارفة يختلط فيها الحابل بالنابل، ويتم تحميل الموضوع أكثر بكثير مما يجب أن يحتمله، وتأخذ القضية بعداً طائفياً لا علاقة له بالشريط التلفزيوني أو القائمين عليه أو القناة التلفزيونية.

الأمر نفسه تكرر مرة أخرى، في الأسبوع نفسه، حين نشر نائب نكتة عن أحد الصحابة، وتحوّل إدراجه الفيسبوكي –فجأة- الى قضية دينية طالب القائمون بإقالة النائب بذريعة الإساءة إلى دين الدولة، علماً بأن الموضوع كما الشريط التلفزيوني لا يتحمل ذلك.

في كلتا الحادثتين، كثيرون ممن تدخلوا لا يعلمون الموضوع جيداً، لكنهم انضموا لحملة تحريضية ساهمت في خلق رأي عام مغرض، وتلقفها نواب ودائرة الإفتاء وجهات حكومية، وصدر عنهم قرارات من دون انتظار وتروي لتجلية المسألة، ومعرفة من وراء الحملة وما هدفها الحقيقي.

يقول مسؤولون إنهم خضعوا لضعط كبير من المجتمع، ووجب عليهم التصرف. بهذه السهولة يبررون ردود فعلهم، متغافلين أنه كان يؤمل منهم امتلاك القدرة على دراسة الحالة، والتريث قبل اتخاذ قرار يفهم منها إدانة أولية، إذ إن الإحالة إلى القضاء هي بحد ذاتها موقف واتهام صريح لمن أنتج البرنامج وشارك فيه، وسيتطلب الأمر سنوات لمحوه من ذاكرة الجمهور مهما كان حكْم القضاة.

القضاء في هذا المجال محكوم بتشريعات طالما طالبنا بأن تكون دقيقة وواضحة خالية من عبارات فضفاضة تحرّم كل ما يخدش الحياء أو يضر بالعادات والتقاليد، خلافاً لما يؤثر على الوحدة الوطنية. لماذا تجري معاقبة منتجي برنامج هزلي بثّ في ساعة متأخرة لجمهور الكبار، بينما من حرضوا على الفتن الطائفية، في وضح النهار وعلى رؤوس الأشهاد، ومنهم إذاعات مرخصة لم يفطن إليهم أحد، أو تشار إليهم بالمسؤولية في تعكير الأجواء، وإقحام الطائفية في أمر لا علاقة لها به.

يعزو البعض سبب تفاقم القضية إلى قيام الدولة بإغلاق فضائية اليرموك الإسلامية، التي كانت تعمل لثلاث سنوات من غير تصريح من هيئة الإعلام، لكن لماذا يتم تصفية الحسابات بين الإخوان المسلمين والدولة على حساب السلم الأهلي والعيش المشترك في المجتمع، وعلى أساس طائفي لا علاقة للمحطة التلفزيونية به؟

المزعج والمخيف هو غياب مرجعية أخلاقية متفق عليها لدى جميع المواطنين، والتي قد تشكل سداً منيعاً لوقف محاولات المتطفلين استغلال موضوع حساس قد يمس المجتمع من الداخل، ويفتت علاقات مجتمعية بنيت عبر سنوات طويلة. من الغريب أن نتبع الإشاعة والاتهامات المجانية بسهولة، ونحولها إلى حقيقية وأمر واقع، كأننا في حرب دينية خطرة يجب شحن الجماهير للانخراط عنها!

المطلوب هو عقد اجتماعي، واتفاق على تحييد الطائفية والإقليمية والنزعات العنصرية في كل خلاف داخلي، ويجب أن تتقدم شخصيات ذات مصداقية واحترام وجرأة ليدلوا بدلوهم، تحييداً لخطاب التحريض والكراهية. هشاشة الوضع تتطلب تضافر قوى المجتمع والعمل سوية لمنع المتطفلين من خطفه من أجل مصالحهم الذاتية وأفكارهم المتطرفة.

 

* داود كتّاب: مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي. أسس العديد من المحطات التلفزيونية والإذاعية في فلسطين والأردن والعالم العربي.

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .