أغسطس 23 2015

غياب صورة البطل

نشرت بواسطة الساعة 1:56 م تحت فئة مقالاتي,اﻷردن -

بقلم داود كُتّاب

زاوية تكوين/موقع عمان نت

يرى باحثون -اعتماداً على دراسة واقع الشباب في المنطقة العربية- أن إحدى أكبر المشاكل تتركز في الفراغ الكبير الذي يشعرون به، وخلصت دراساتٌ عديدةٌ إلى أن سبب إحباطات الشباب العربي يعود لغياب آفاق مستقبلية واثقة بأن القادم أفضل من الوضع الحالي.

لا شكّ أن بعض الإحباط مردّه الوضع الاقتصادي، وانسداد فرص العمل أمام عدد كبير من الشباب والشابات، والتي تعتبر نسبتهم (كما هي نسبة البطالة فيما بينهم) من أعلى النسب عالمياً، لكن الأمر غير محصور في الموضوع الاقتصادي فحسب، وإلا كيف يتم تفسير انضمام شباب من دول وضعها الاقتصادي جيد إلى التنظيمات المتطرفة؟

جزءٌ من المشكلة أساسه غياب صورة البطل أو القدوة في حياة الشباب، مع تكرار قصص لأشخاص غادروا الوطن بسبب الإحباط وعدم الاهتمام بهم، ثم انطلقوا ونجحوا في الخارج، لدرجة راجت في أوساط الشباب مقولة “لا كرامة لنبي في وطنه”، للتأكيد على إهمال الدولة في تكريم الناجحين لديها.

إذا أمعنا في البحث عن شخصية البطل، في مجتمعاتنا، لا نجد دلائل على وجودها باستثناء لاعبي كرة القدم (غالباً من الأجانب) أو بعض الفنانين، وبسبب غياب الانتخاب الحر والمستقل فإن ممثلي الشعب لا يحظون بأي اهتمام لدى شبابٍ لا يكترث لوجودهم إلاّ حين يحتاج وساطة لتحصيل وظيفة ما، أو مساعدة في الحصول على مقعد جامعي، أو إعفاءً طبياً، أو غيرها من الخدمات.

غياب صورة البطل لا يعني بالضرورة اختفاء أبطال أو أشخاص قدوة في حياتنا، إذ يشير باحثون أن الشاب أو الشابة ينظران، غالباً، إلى أحد الأقرباء (خال أو عمة وغيرهما) الناجحين في أعمالهم كونه قدوة لهم، وخارج نطاق الأهل لا يوجد هناك ثقافة تبرز عامل النجاح في مجتمعاتنا، والقضية ليست في غياب قصص النجاح بل في عدم الاهتمام في إبرازها.

قد يعود عدم الاهتمام إلى أسباب عديدة منها الغيرة أو العنصرية، فإذا كان الناجح من قبيلة مختلفة أو من بلد آخر، أو من جنس مغاير، فإننا نفضل تجاهله بينما يجري تضخيم أعمال من هم من جماعتنا، حتى لو كان نجاحهم أقل أهمية.

تابعنا منذ مدة قصيرة كيفية رد فعل البعض على حصول فتاة عراقية على المرتبة الأولى في امتحانات التوجيهي، كأن التفوق يجب أن يبقى محصوراً بأشخاص نرتاح إليهم، ويمثلون عشائرنا، وغيرها من هوياتنا الفرعية، التي تعكس نظرة ضيّقة وسلبية.

للجهات الرسمية والشعبية، والإعلام، دور مهم في كشف وإبراز قصص النجاح بعيداً عن العنصرية والفئوية، فتكريم غير المستحقين يفرّغ الفكرة من أهدافها، ويضاعف الإحباط لدى الجمهور العام، ويفقده الثقة بمن هم في موقع القرار.

يجب أن يكون إبراز قصص النجاح جزءاً من حملة واسعة تهدف إلى إعادة ثقة المجتمع، خاصة الشباب، في نفسه وفي مستقبله، ومن أجل عدم الانجرار وراء التطرف والاعتماد عليه بوصفه نموذجاً إيجابياً للخروج من الأزمات المحيطة بنا.

لا توجد عصا سحرية لمعالجة جملة الإخفاقات، التي يواجهها الشباب العربي، في عصرنا الحالي، لكن علينا البحث عن أبطالٍ حقيقيين، وإبراز إنجازاتهم، سعياً لتكريسهم قدوة للشباب، لعلهم يشكلون عنصراً فعالاً في تغيير نمط التفكير الموّلد للإحباط واليأس.

* داود كتّاب: مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي. أسس العديد من المحطات التلفزيونية والإذاعية في فلسطين والأردن والعالم العربي.

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .