يونيو 29 2015

بين أن تكون مدافعاً عن الرياضة أو ثائراً لاعنفياً

AlHayat

بقلم داود كُتّاب

بالنسبة للكثيرين فإن الحركة الفلسطينية الثورية غير العنيفة الثورية كانت على موعد يوم الجمعة الماضي في زيورخ.

قد يقول الكثيرون أن رئيس الإتحاد الفلسطيني لكرة القدم جبريل الرجوب تراجع في تلك اللحظة.  ففي الثواني الأخيرة من المباراة التي شهدت عزماً ثابتاً وراسخاً تراجع قائد الفريق الفلسطيني تجنباً لمواجهة محتملة مع الإسرائيليين ومؤيديهم.

قد لا يكون الأمر بهذه البساطة وقد يكون من الظلم أن نلقي الكثير على أكتاف رجل واحد.  ربما كان لدى جبريل الرجوب، رئيس اتحاد كرة القدم الفلسطيني، أكثر بكثير مما كان يمكن تحمله بمفرده، إلا أن كثيرين  يشعرون أنه خذلهم بعد أن آمنوا به وتوقعوا أن يبقى صامداً حتى النهاية في طلب التصويت على طرد إسرائيل.

الرجوب الذي أصر حتى اللحظة الأخيرة أنه سيطالب بتعليق عضوية اتحاد كرة القدم الإسرائيلي في الفيفا، وافق على تعديل على القرار وبدلاً من طرد إسرائيل وافق على إنشاء لجنة بمشاركة هيئة كرة القدم العالمية للنظر في التهم الفلسطينية ضد إسرائيل بشأن التعصب والعنصرية وانتهاك النظام الداخلي لكرة القدم.  وقد تم اعتماد هذا القرار بتصويت 90 بالمئة من أعضاء الجمعية العمومية وبذلك لم تعد القضية في أيدي اللجنة التنفيذية للفيفا بل بأيدي الجمعية العامة.

ما أخذ كثيرين على حين غرة، هو أنه قد تم تكليف اللجنة بالتحقق مع الأمم المتحدة حول ما إذا كانت خمسة أندية للمستوطنات الإسرائيلية مقامة حقاً في الأراضي المحتلة !! قوانين الفيفا واضحة وضوح الشمس وهي أنه لا يسمح لأي منتخب وطني أن يلعب على أرض اتحاد آخر دون موافقتها.  والمستوطنات اليهودية مبنية بشكل واضح على الأراضي الفلسطينية وتصويت الأمم المتحدة الذي أعلن فلسطين دولة غير عضو حدد بوضوح حدودها على أساس حدود شهر حزيران من عام 1967.

في شرح لموقفه، أشار الرجوب إلى الضغط الهائل الذي تعرض له من الإتحادات الألمانية وجنوب أفريقيا وغيرها، وبالطبع من نفوذ رئيس الفيفا “سيب بلاتر” الذي كان معارضاً للإقتراح منذ اليوم الأول.

النشطاء الفلسطينيون ومناصروهم الذين نظموا مظاهرات وأصدروا عرائض وحشدوا دعماً دولياً، شعروا بالخذلان بسبب خطوة الرجوب.  وقالوا إنه هُزم من قبل إسرائيل وأنصارها بثمن بخيس وإن فكرة إنشاء لجنة للنظر في الإنتهاكات والتأكد من مواقع المستوطنات ما هي إلا مجرد مزحة.

من جهته، قد يقول الرجوب وأنصاره إنه بما أن أوروبا في حقيقة الأمر لن تصوت لصالح فلسطين فإن هذا يعني أن الإقتراح ما كان سيحصل على ال 75% من الأصوات المطلوبة لطرد إسرائيل.  وقد يجادلون أيضاً أنه تم رفع القضية إلى أعلى مستوى، وأنه بوجود طوكيو سيكسويل، وهو ممثل من جنوب أفريقيا وأحد رعاة الحرية ومكافحة العنصرية الذي يرئس هذه اللجنة المكلّفة من قبل الجمعية العمومية للفيفا فإنهم سيضمنون أنه سيكون للاعبي كرة القدم الفلسطينيين فرصة أن يلعبوا دون مضايقات إسرائيلية.   و”تعليق التعليق،” كما يسميه الرجوب، يمكن العدول عنه مرة أخرى عندما تقدم اللجنة توصياتها ضد إسرائيل دون أن تعمل هذه الأخيرة تغييرات كبيرة.

ولعل المناقشة الأهم هي الإطار السياسي الأكبر.  يقول نشطاء فلسطينيون إن انسحاب الرجوب في اللحظات الأخيرة قد أضعف جهود حركة المقاطعة اللاعنفية وسحب الإستثمارات وفرض العقوبات الدولية (BDS) التي بدأ يكون لها دور فعال في جميع أنحاء العالم.  وأوضحوا أنه من خلال اللعب بالسياسة أثبت المسؤول الفلسطيني لكرة القدم في الواقع أن الشكوى كانت سياسية وليست لها علاقة بانتهاك واضح لعدد من بنود قوانين الفيفا.

ولكن إذا كانت الحجة ضد الرجوب تتعلق بخيانة النضال اللاعنفي الأكبر، عندئذ يحتاج المرء أن يسأل سؤالاً بسيطاً، ما هي تفاصيل هذه الاستراتيجية؟ أين الإجماع حولها؟ ومن هو قائد هذا الصراع؟ المقاومة اللاعنفية الفلسطينية نشطة بالتأكيد داخل وخارج فلسطين لكنها أبعد من أن تتحول إلى  استراتيجية وطنية موحدة للفلسطينيين المنقسمين حول مختلف القضايا.

الإنقسامات داخل المجتمع الفلسطيني لا تقتصر على الخلافات العميقة بين حماس وفتح.  بينما الفصائل الفلسطينية الرئيسية والأحزاب يقدمون ضريبة كلامية حول اللاعنف، فإنه لا توجد استراتيجية وطنية ولا خطة عمل متفق عليهما. ومن المؤكد أن الأمر لا يتعلق بالقيادة الفلسطينية أو بمنظمة التحرير الفلسطينية بقيادة محمود عباس على الرغم من أن عباس وخصومه السياسيين في حماس غالباً ما يستخدمون مصطلح “النضال الشعبي”ØŒ وهي كلمات مشفرة للمقاومة غير العنيفة.  قد تكون قادة حركة المقاطعة الأكاديمية من بين المثقفين في رام الله إلا أن هوة كبيرة تفصل بينهم  وبين القيادة المتواجدة أيضاً في رام الله.

كانت الفجوة بين الجانبين جديرة بالملاحظة قبل أسبوعين في جامعة بير زيت.  يبدو أنه وتحت ضغط من نشطاء المقاطعة، تراجعت الجامعة عن دعوة أحد مؤسسي المحكمة الجنائية الدولية (ICC) لأنه ألقى محاضرات في جامعتين إسرائيلية.  ومع ذلك، وفي الوقت نفسه، تم الترحيب بالدكتور المصري شريف بسيوني، وكان في استقباله عدد من كبار المسؤولين في الحكومة الفلسطينية.  وفي حين كان لدى النشطاء الفلسطينيين اللاعنفيين والحكومة توقعات كبيرة بشأن فرض العقوبات على إسرائيل بارتكابها جرائم حرب فإنه لم يستطيعوا التوافق على اللقاء بعضو عربي مؤسس للمحكمة الجنائية الدولية.

الفلسطينيون يختلفون أيضاً حول مسألة تحديد التصرفات أو الأفعال التي تندرج تحت “التطبيع”. الرئيس الفلسطيني والعديد من القادة المحليين في القدس يعتبرون أن الزيارة التي يقوم بها العرب والمسلمون إلى القدس الشرقية هي عمل من أعمال الدعم لفلسطين وشعبها.  ومع ذلك، فإن الحركة المناهضة للتطبيع وكثير من الإسلاميين يعارضون بشدة الزيارات إلى القدس ويعتبرونها وكأنها خيانة وطنية. وكان هذا واضحاً في الأسبوع الماضي عندما اندلع شجار بالأيدي عندما حاول مسؤول ديني أردني رفيع المستوى إلقاء خطاب يوم الجمعة في المسجد الأقصى المبارك في مدينة القدس القديمة.

ما فعله جبريل الرجوب في اللحظات الأخيرة في زيورخ يحتاج إلى أن ينظر إليه ضمن هذا المنظور الأوسع.  فقد ضمنت المحاولة الفلسطينية بمناقشة موقع إسرائيل في المحافل الدولية أهمية فرض المقاطعة.

الدرس المستفاد من الهزيمة في زيورخ لا ينبغي أن يقتصر على انتقاد رئيس فريق كرة القدم الفلسطيني فحسب، بل أن نفكر طويلا وملياً بشأن ما يحتاجه الرجوب وغيره في المستقبل ليكونوا قادرين على تحمل هذا النوع من الضغوط.  وأفضل طريقة لإظهار الدعم والتضامن من أجل القادة ليتخذوا قراراً شجاعاً وجود استراتيجية لاعنفية وطنية من أجل التحرر يتفق عليها جميع الفلسطينيين.

 

  • الكاتب صحفي فلسطيني

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .