مايو 07 2015

خدمة البث العام لا ينبغي أن تديرها الحكومات

نشرت بواسطة الساعة 10:30 ص تحت فئة مقالاتي,اﻷردن -

بقلم داود كُتّاب

بدت المتصلة على الهاتف، وهي صديقة حميمة، قلقة للغاية قائلة “إنهم سوف يدمروننا”.

بعد أن خففتُ من قلقها قالت صديقتي وهي مستشارة بارزة في محطة تلفزيونية تجارية محلية إن عدداً من الموظفين في المحطة يتركون العمل من أجل محطة جديدة تقوم الحكومة الأردنية بإنشائها.

كيف يمكن أن يحدث ذلك، لقد استثمرنا في هؤلاء الناس ودربناهم ونحن ندفع لهم رواتب ليست بقليلة. وعلاوة على ذلك، لماذا تقوم الحكومة بإنشاء محطة تلفزيونية أخرى؟  ألا يكفيهم ما يمتلكونه من محطات، والآن سوف ينتزعون منا الإعلانات القليلة التي جاهدنا للحصول عليها.

شرحت لها بهدوء أنه ليس هناك ما يمكن القيام به إزاء الجذب غير الأخلاقي للعاملين، إلا أن المشكلة التي يمكن معالجتها قد تتعلق في السماح للمحطات التلفزيونية الممولة من القطاع العام ببث الإعلانات منتهكة بشكل واضح الحاجة إلى وجود فرص متكافئة.

في اليوم التالي، دعتنا منظمة اليونيسكو صديقتي وأنا وآخرين لحضور الإحتفال بمناسبة يوم حرية الصحافة الذي عقد في مقر الهيئة الملكية للأفلام.  وفي منتصف هذا الإحتفال تحدث وزير الدولة لشؤون الإعلام عن المحطة التلفزيونية الجديدة مؤكداً للمجتمعين أنها “ستكون بالفعل خدمة بث عام” رغم أنه رفض أن يقول ما إذا كانت ستمتنع عن بث الإعلانات أم لا.

تعرّف منظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة (اليونسكو) خدمة البث العام بأنها “خدمة يقدمها ويمولها ويتحكم بها الجمهور فهي منه ولصالحه.” وتوضح اليونسكو أن تلك المحطات يجب ان لا تكون ” تجارية ولا تملكها الدولة”ØŒ ويجب أن تكون “بعيدة عن التدخل السياسي وضغط القوى التجارية.”

مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الأردنية التي تملك وتدير عدة محطات تلفزيونية وإذاعية، يتم تمويلها من قبل دافعي الضرائب والمعلنين. حيث يتم خصم دينار واحد من فاتورة الكهرباء من كل منزل أو مكتب أو مصنع شهرياً.  كما أن المؤسسة تحصل على مزيد من التمويل من دافعي الضرائب من خلال الموازنة العامة.  ولكن المشكلة تكمن في الطريقة التي يتم فيها إنفاق هذه الأموال.  إن جدول رواتب مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الأردنية مبالغ به ويتكون في معظمه من أناس معينين من قبل الحكومة في كثير من الأحيان كجزء من الرعاية السياسية.  وإن كان ذلك على الورق فقط، فإنه يفترض من المؤسسة أن يكون لها مجلس إدارة مستقلاً، تعيّن الحكومة مديره العام، فضلا عن العديد من كبار مديريه.

تقول اليونسكو إذا عملت خدمة البث العام بشكل صحيح فإنه يتم بذلك “إعلام وتثقيف المواطنين وترفيههم أيضاً.” فعندما تتضمن خدمة البث العام “التعددية وتنوع البرمجة والإستقلالية التحريرية والتمويل المناسب والمساءلة والشفافية، فإنه يمكن أن تكون بمثابة حجر الزاوية للديمقراطية “.

عندما يقول الدكتور محمد المومني، وهو وزير في الحكومة، إن المحطة الجديدة ستكون حقاً ‘خدمة بث عام‘ فهو اعتراف غير مباشر أن المحطة الحالية التي توظف أكثر من ألفي شخص وتكلف عشرات الملايين من الدنانير الأردنية ليست كذلك.

إذا أرادت المحطة التلفزيونية الأردنية الجديدة أن تطبق المعايير الدولية لمبدأ الخدمة العامة، فإنه من المهم أن يتم استيفاء شرطين على الأقل. أولاً، يجب على الحكومة أن تبقى بعيدة عن ملكية هذه المحطة وتشغيلها وذلك تحقيقاً للمبدأ بأنه “يجب ألا تكون ملكاً للدولة”ØŒ وأنه “سيتحكم بها الجمهور فهي خدمة منه وله.”  ينبغي تشكيل لجنة مستقلة تمثل كل الأردنيين لإدارة هذه المحطة بعيداً كل البعد عن الضغوط الحكومية.

ثانياً، بما أن خدمة البث العام وفقاً لتعريف منظمة اليونسكو هي غير تجارية ولا ينبغي أن “تتأثر بالضغوط التجارية،” فإن هيئة تنظيم المرئي والمسموع يجب أن تضمن ألا يتم تشويه مجال البث التجاري بالتنافس مع محطات تجارية من خلال المشاركة في محصلة الدخل الإعلاني التي هي في الواقع صغيرة.

وبطبيعة الحال، فإن المشكلة بطرح هذا الأمر أمام هيئة التنظيم سببه أن الأردن ليس لديه مجلس إعلام تنظيمي مستقل.  ينظم وسائل الإعلام المطبوعة والمسموعة والمرئية مدير يعين من قبل الحكومة ويكون مسؤولاً أمام نفس وزير الدولة لشؤون الإعلام الذي يريد أن تبدأ هذه المحطة الجديدة باستخدام الأموال العامة.

هناك طريق أفضل بكثير وأكثر كفاءة لإنشاء محطة خدمة بث عام وهو عن طريق معالجة العيوب في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الأردنية التي مما لا شك فيه ستأخذ حصة الأسد من الإعلانات في موسم رمضان المقبل.  وبدلاً من إنشاء محطة فضائية أخرى فإنه ينبغي  بذل الجهد والدعم لإنشاء محطات رقمية أرضية محلية عندما يتم النقل من البث التماثلي إلى النظام الرقمي والذي سيجري في الأشهر المقبلة.

إن قلق صديقتي حول مستقبل البث التجاري في الأردن هو حقيقي، ومن المرجح أن لا يتم حله طالما استمرت الحكومة أن تكون لاعباً فاعلا في حقل من المعروف أنها لا تجيد اللعب فيه بشكل جيد.  ينبغي على الحكومات أن تحكم بشكل مستقل وعادل ممثلة السكان بجميع أطيافه.  لا يجب أن تحاول أن تحكم باستخدام وسائل إعلام من المفروض أن تُستخدم من قبل الجمهور وهي لصالحه وغير ناطقة بلسان الحكومات.

 

*الكاتب عضو مجلس تنفيذي في معهد الصحافة الدولي ومقره فيينا.

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .