مايو 27 2015

العمل الجماعي غائب عربياً

نشرت بواسطة الساعة 10:11 ص تحت فئة قضايا عربية,مقالاتي -

AlHayat

زاوية تكوين/ موقع عمان نت

بقلم داود كُتّاب

أظهرت دراسة سريعة حول نجاح العرب في دورة الألعاب الأولمبية ظاهرة خطيرة.  باستثناء الميدالية البرونزية التي فاز بها المنتخب السعودي للفروسية في عروض القفز في أولمبياد لندن 2012 لم تشمل أي من المئة ميدالية تقريباً التي فازت بها الدول العربية عملاً رياضياً جماعياً.  هناك أفراد من الرياضيين العرب الفائزين بالميداليات الفردية مثل العدّاء توفيق مخلوفي الفائز بالميدالية الذهبية في سباق 1500 متر لعام 2012.  وفازت السورية غادة شعاع في السباعية في دورة الألعاب الأولمبيا في ولاية أطلنطا الأميركية لعام 1996 وفاز المغربي هشام الكروج بميداليتين ذهبيتين في سباقي 1500 و5000 متر في أولمبياد أثينا 2004.  وأفضل ما حققته الدول العربية في بطولة كأس العالم هو بلوغ الجولة السادسة عشر.

الفوز بميداليات فردية يتطلب الكثير من الجهد والتفاني، ولكن فوز فريق رياضي يتطلب المزيد من التعاون والتضحية ونكران الذات.

فشلنا في العمل الجماعي الناجح لا يقتصر على الرياضة فحسب، فنحن نتفوق في المشاريع العائلية إلا أن  إنتاجنا يكون ضعيفاً في عالم الأعمال الجماعية. المشاريع العائلية تحصد أكثر من 85% من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي في العالم العربي وفقاً للنشرة الإماراتية 24/7.  بعض شركاتنا الناجحة تبلي بلاء حسناً بسبب وجود شخص معين على رأسها أو عائلة مسيطرة عليها.

المكتبات العامة في العالم العربي تشبه المنازل المهجورة. العرب الذين يتفاخرون بمكتبة الإسكندرية قد تخلوا عن العمل في المجال العام أو عن تبادل الكتب ومشاركتها حيث أن معظم المثقفين لديهم مكتبات ضخمة في منازلهم ولا يهتمون بمشاركة مجموعة من كتبهم الخاصة مع أي معهد او مكتية عامة مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى اهترائها أو حتى إلى احتراقها.

لقد فشلنا اقتصادياً في العمل معاً كعرب مفضلين التداول مع دول أخرى تاركين التبادل الإقتصادي الداخلي بين الدول العربية في مستوى مخزِ يبلغ 8%.  في كثير من الأحيان رصد الصحفيون الإقتصاديون سلعاً مصنوعة في العالم العربي تم شراؤها من خلال طرف ثالث من تجار أوروبيين.

النقابات المهنية والإتحادات الطلابية يكرهون فكرة التمثيل النسبي ويفضلون نظام حيازة الفائز ولو ب 51% من الأصوات على كافة المقاعد.  طلاب جامعاتنا غير قادرين على حل الخلافات من خلال الحوار والنقاش ويلجأون إلى استخدام العنف في حرم الكلية لحل أكثر الصراعات سخافة.

في السياسة، ليس الوضع أفضل حالاً. كلما كان لدينا انتخابات عامة كلما تم تأييد النظام الفردي بدلاً من الحزبي مما يقوي النظام القبلي.

يصوّت الناس وفق نظام الإنتخاب الصوت الواحد. وعندما تسمح القوانين الإنتخابية بنظام الأحزاب والقوائم، يكون هناك عدد لا يحصى من القوائم مما يجعل عملية إحداث مجموعة صغيرة وفعالة من الأحزاب أمراً شبه مستحيل.  ونتيجة لذلك، فشلت الحكومات البرلمانية (مثل العراق وليبيا) إلى حد كبير في العالم العربي، بينما الأنظمة الملكية (مثل الأردن والمغرب والمملكة العربية السعودية) مستقرة وناجحة نسبياً. نسمع شعارات مثل الأردن أولاً ومصر أولاً وليبيا أولاً وهلم جرى.

بعد صدور نتائج الإنتخابات البريطانية الأخيرة  الأسبوع الماضي، استقال ثلاثة من رؤساء الأحزاب غير الناجحة وأفسحوا المجال لأفراد ذوي أفكار جديدة ليحاولوا تقديم ما هو أفضل في الجولة المقبلة من الإنتخابات.  قادة أحزابنا يفضلون الموت على أن يستقيلوا أو يعطوا فرصة للقادة من الشباب.  لنراجع بعض القادة العرب اليوم.  عبد العزيز بوتفليقة رئيس  للجزائر كان منذ عام 1999. وقد أُعيد انتخابه على الرغم من أنه كان مريضاً للغاية وكان بالكاد قادراً على قول العبارة اللازمة لأداء يمينه الدستوري.  القادة الآخرون تم نفيهم أو سجنهم أو تم استبدالهم بطريقة عنيفة ونادر ما نسمع عن رئيس استقال طوعاً.

الزعيم اليمني عبد الله صالح حتى بعد مغادرته، عاد واستخدم القادة العسكريين الموالين لمحاولة قلب النظام الذي كان يحكمه قبل الإستقالة.  ومحمود عباس موجود في السلطة منذ أكثر من عشر سنوات. والملوك هم بالطبع قادة مدى الحياة.  احتاج الملك الحالي للمملكة العربية السعودية إلى شجاعة كبيرة لإحداث تغيير مهم بإدخال نواب من الأجيال الجديدة.

لقد أنعم الله علينا كأمة عربية بلغة واحدة وثقافة اجتماعية متماسكة هما موضع حسد تجمعات إقليمية أخرى. شهدت معظم الدول العربية استقلالاً في مرحلة ما بعد الإستعمار خلال نفس الوقت تقريباً.  لدينا قومية عربية وطنية قوية ظهرت بوضوح في الربيع العربي ونشاهد كلنا نفس المحطات الفضائية التي ساعدت في توحيد حتى الإختلافات في اللهجة العامية وفي خلق لهجة عامية فضائية عربية جديدة يفهمها الجميع.

وفيما لدينا لغة وثقافة موحدتان فلماذا إذاً نحن سيؤون للغاية في العمل المشترك؟  ما الذي يمكن عمله لإزالة هذا الشعور بالفردية واستبداله بروح الفريق الواحد الأكثر فعالية؟

لا يوجد حل سحري. نحن بحاجة للعمل على جميع المستويات لتأكيد أهمية العمل الجماعي. يجب علينا أن نبدأ نحتفل بنجاح الإنجاز الجماعي أكثر من الإنجاز الفردي وأن نخلق ثقافة تدعم وتشجع العمل الجماعي. وهذا الجهد مطلوب من كافة المستويات من الأعلى إلى الأسفل وبالعكس.  فالمطلوب تغيير مجتمعي كامل إن كنا نرغب بالتغلب على هذا المرض الذي يسمى “العمل الفردي” وبناء مجتمعات سليمة تقوم على التفكير التكاملي والمتعاون بدلاً من النظام المبني على التنافسية والفردية.

 

* صحافي فلسطيني

 

 

 

 

 

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .