أبريل 26 2015

“الربيع العربي” والتشاركية الإنتقالية

نشرت بواسطة الساعة 1:53 م تحت فئة قضايا عربية,مقالاتي -

زاوية تكوين/ موقع عمان نت

بقلم داود كُتّاب

يناقش خبراء العلوم السياسية أفكاراً تهدف إلى مساعدة الدول، التي تمر بأزمات شديدة، لضمان الإنتقال السلس من دول هشة إلى دول مستقرة. الدول الهشة ترمز إلى بلدان تعيش أزمات حادة، ومنها الإنقلابات والإنقلابات المضادة كما في الدول العربية المتأثرة بمضاعفات ما سمي بـ”الربيع العربي”، وغيرها من التغيرات الجذرية التي أصابتها.

يستفيد الباحثون في دراساتهم من تجارب أميركا اللاتينية وجنوب أفريقيا وأوروبا الشرقية وآسيا للخروج بمجموعة اقتراحات وأساليب وآليات فعالة لتجنب أخطاء متكررة تقع فيها العديد من الدول والحركات الثورية وغيرها.

من أهم الأفكار في مساعدة الدول الهشة مبدأ التشاركية الإنتقالية، المبني على الضرورة الملحة لأي نظام أو مجموعة تستلم الحكم بعد تغيير جذري (كان عبر انقلاب أو غيره)، المتمثل بضرورة مشاركة الطرف الآخر، خاصة في السنوات الأولى الحساسة، التي يتم خلالها وضع الخطوط العريضة وأسس النظام من خلال عقد اجتماعي يتوافق عليه الأطراف كافةً.

ينطلق الفكر السياسي في دراسة التغييرات العالمية للدول والأقاليم من خلال التركيز على مشكلتين أساسيتين تسبب ضعف وانهيار الدول، وهما غياب هوية وطنية متفق عليها، وانعدام مؤسسات فعالة لا تمارس التحيّز لأي طرف في المجتمع.

لا شك بأن الهويات الفرعية كانت دينية أم قومية، طائفية أم عشائرية أم إثنية لها أثر سلبي كبير على نجاح واستمرار الدول، خاصة إذا ما تفوقت تلك الهويات الفرعية على الهوية الرئيسية. والأمثلة كثيرة من العراق إلى البوسنة وبعض دول أفريقيا. تشكل تجربة جنوب أفريقيا بقيادة مانديلا عبر إشراك خصومه في المرحلة الإنتقالية دوراً مهماً في الخروج من الأزمة التي عصفت ببلاده لعقود من خلال العمل على تحول توافقي وتدريجي.

وفي هذا المضمار تنازل حزب مانديلا ذو الأكثرية المطلقة عن الاستحواذ الكامل للسلطة من خلال الموافقة على إعطاء دور تشاركي لخصومه البيض مدة خمس سنوات رغم أنه كان بإمكانه سحقهم كلياً في الإنتخابات. كما كان للجان المصالحة الوطنية دور في طي جراح الماضي والعمل على خلق مستقبل للمواطنين كافةً.

يركز الباحثون في دراساتهم وتوصياتهم على ضرورة العمل على بناء هوية وطنية تشاركية وتوافقية تتطلب توفير فرص لجميع فئات المجتمع، وضرورة أن يتم نقل تلك الهوية المشتركة  في جميع مراحل التعليم ومن خلال الإعلام، وعدم إقصاء أو إلغاء الهويات الفرعية.

آليات حل مشكلة الهويات الفرعية -حسب الباحثين ودراساتهم- تنطلق من خلال مؤسسات قوية وفعالة تحترم سيادة القانون وتمتنع كلياً عن أي تحييز، ويجب أن تشمل تلك المؤسسات فئات المجتمع ومنها المرأة والشباب. ومن المؤكد أن هناك مخاطر حقيقية جراء تركيز الوظائف العامة أو قوات الأمن أو الجيش في لون واحد من الشعب، إذ ستخرّب الإنجازات التي قد تحققها الدولة الإنتقالية، فضمان نتائج إيجابية على المدى القصير والمتوسط يتطلب ضرورة التزام أصحاب القرار بحيادية مؤسسات الدولة من خلال إشراك أطياف المجتمع في صنع القرار وفي أجهزة الدولة المختلفة.

يعترف الباحثون بأن فكرة التشاركية لها حدود خاصة في ما يتعلق بوجود معارضة مسلحة، لكنهم حتى في تلك الحالات يقترحون على الحكومات الإنتقالية وضع آلية تسمح لمن يتنازل عن السلاح أن يشارك بصنع وتنفيذ القرار لضمان مؤسسات فعالة تحترم وبشدة حكم القانون وتبتعد عن انتهاك حقوق المواطن، وفي هذا المضمار يعتبر اجتثاث البعث في العراق من التجارب السيئة، التي يشار إلى نتائجها المدمرة في محاولة بناء مجتمع متجانس ودولة ذات بنية داخلية متماسكة.

تعاني الدول الهشة أيضاً من التدخلات الخارجية، ويعترف الباحثون بالآثار المدمرة للتدخلات الإقليمية والدولية ومنها التدخلات الحاصلة في الأنظمة الإنتقالية في المنطقة العربية.

ويعتقد باحثون بأن الإعتماد المبالغ على تقديم الأرقام الإقتصادية، التي تعكس وضع الدولة العام، وتجاهل توزيع الثروات لدى فئات المجتمع، يعدّ أحد أكبر الأخطاء في تحديد صحة اقتصاد وتماسك الدول.

من اللافت أن العديد من المفكرين وصلوا لقناعة خطورة إجراء انتخابات على المستوى القومي في الفترات الإنتقالية لما تشكله مثل تلك الإنتخابات في إضعاف محاولات خلق هوية متفق عليها ومشاركة فئات المجتمع في تحديد طبيعة الدولة خلال هذه الفترات.

التجارب العالمية تتنوع، ولكل دولة خصوصيتها، لكن الأمور التي يصعب الإختلاف حولها وتثبتها التجارب الدولية تتمثل بضرورة التشاركية لفئات المجتمع كافةً، والإلتزام بحيادية وصلابة مؤسسات الدولة في تطبيقها للقوانين.

والواضح من خلال استعراض العديد من التجارب العالمية أن دولاً كثيرة بدت قوية ومتماسكة، وسرعان ما انهارت في فترات قصيرة نسبياً، بينما نجحت دول ضعيفة قد طبقت مبدأ التشاركية والمساواة بين المواطنين، وأجرت إصلاحات مرحلية سواء في المستويات المتوسطة وطويلة الأمد.

 

  • داود كتّاب: مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي. أسس العديد من المحطات التلفزيونية والإذاعية في فلسطين والأردن والعالم العربي.

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .