فبراير 03 2015

هدى والبيروقراطية

نشرت بواسطة الساعة 12:28 م تحت فئة مقالاتي,اﻷردن -

بقلم داود كُتّاب *

مرت العاصفة “هدى” بأقل الخسائر المادية والبشرية رغم طول مدتها وعمقها. شركة الكهرباء عملت أفضل بكثير مما حدث خلال عاصفة “أليكسا”، العام الماضي، وأجهزة الدولة بما فيها أمانة العاصمة تفاعلت ونسقت فيما يبنها بطريقة أكثر سلاسة ونجاعة مما توقعه المواطنين بناء على تجارب سابقة.

أحد أسباب النجاح النسبي يعود للدور الأكثر فاعلية، التي لعبته الحكومة الأردنية، ويبدو أنها تعلمت دروس العاصفة السابقة، وطبقت بدقة الدروس المستفادة.

قدرة الحكومة على الاستفادة، طبعاً، أتت بسبب طول عمر حكومة عبد الله النسور بعد التطبيق (المبتور) لفكرة الحكومات البرلمانية. فقبل حكومة النسور كان معدل عمر الحكومة الأردنية لا يتجاوز 11 شهراً. ولو كان عمر الحكومة الحالية مثل هذا المعدل لكان لدينا حكومة جديدة لا يوجد لها الخبرة السابقة التي قد تستفيد منها.

لاشك أن إدارة أمور الدولة يجب أن لا تكون محصورة بالوزراء ورؤساء الوزراء، التي تكون مدة إدارتهم محدودة، بل بأيدي أمناء عام الوزارات وغيرهم من موظفي الدولة عابري الحكومات، لكن تجربتنا في الإدارة تترك القرارات، خاصة، الصعبة للوزراء ولرؤساء الوزراء.

أفاد مصدر مطلع لي أن أحد أسرار نجاح الحكومة في معالجة المشاكل المتعلقة بعاصفة “هدى” يعود إلى قرار اتخذه وزير الأشغال العامة خلال فترة الطوارئ الثلجية بإلغاء التعقيدات البيروقراطية، التي كانت سارية المفعول، في التعامل مع الثلوج بالرجوع كل مرة لمسؤول من أجل الحصول على موافقة لفتح شارع أو استخدام آليات الوزارة. المصدر أكد أن الوزير قام بهذا “التجاوز” المؤقت بناء على توجيه من رئيس الوزراء.

تجاوز البيروقراطية الذي نتج عنه هذا النجاح الملحوظ يجبرنا أن نفكر ببيروقرطيات كثيرة تعيق العمل، وتسبب تأخير يشكل ضرر للمصلحة العامة. لا يعني هذا المطالبة بإلغاء الخطوات الطبيعية لتوثيق الأعمال اليومية أو ضمان الحاكمية الرشيدة، لكن هناك المئات من الإجراءات التي نحن بغني عنها.

رغم وجود أمور إيجابية إلا أن بعض الأقوال المنسوبة لرئيس الوزراء خلال العاصفة الثلجية شكلت صدمة للبعض، ومنها أن الحكومة ستصدر قائمة سوداء بأسماء المقاولين الذين رفضوا التطوع للمساعدة في معالجة نتائج العاصفة ليجري استثناءهم من عطاءات الدولة، وهو يعد أمراً غير مقبول، ويدخل في مجال المناكفة والعقاب الجماعي غير المبرر. فالعطاءات الحكومية التي تتم بالظرف المغلق يجب أن تقام بصورة متساوية بين المشاركين، ولا يحق لأي مسؤول بما فيهم رئيس الوزراء معاقبة أو مكافأة مقاول لأنه تعاون أو رفض التعاون الطوعي خلال العاصفة.

يجب التوقف كذلك عند العداء غير المبرر بين الأرصاد الجوية والناشط في الرصد الجوي محمد الشاكر، صاحب موقع “طقس العرب”، فالأولى مؤسسة حكومية، والثاني جزء من القطاع الخاص، وعلى الحكومة ممثلة برئيسها عدم السماح لأي ممثل من القطاع العام التهجم أو المس بممثل عن القطاع الخاص. فالتنافس في الحصول على معلومة هامة مثل الأرصاد الجوية يجب أن لا تكون حكراً على أي جهة، بل من المفيد وجود منافسة شريفة توفر للمواطن الحرية في اختيار جهة يعتمدها.

تجاوزنا هدى، ومن الضروري أن نكون مستعدين للعواصف المقبلة، ومستفيدين من الدروس التي تعلمناها ومن خلال فهم كل طرف لدوره واحترام أدوار الآخرين. هذه العلاقة بين القطاعين العام والخاص هي من أهم أركان الحكم السليم، وهو أساس الحياة الطبيعية في ظل مبدأ الحقوق والواجبات والمواطنة والحكم الرشيد.

* مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي. أسس العديد من المحطات التلفزيونية والإذاعية في فلسطين والأردن والعالم العربي.

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .