يناير 05 2015

اللامركزية بين السيئ والأسوأ

نشرت بواسطة الساعة 12:12 م تحت فئة مقالاتي,اﻷردن -

بقلم داود كُتّاب

جدلٌ قديمٌ جديدٌ يدور دائماً في أوساط النشطاء الإصلاحيين، في أي بلد؛ أيهما أسوأ: سنّ قانون سيئ أم عدم سنّه أساساً، ولكل طرف حجةٌ مقنعةٌ، فمن يؤيد سن تشريعات -ولو سيئة- يؤمن بقدرة المجتمعات على تعديلها وتطويرها عقب إصدارها، بينما يعتقد المعارضون أن الأمر يعيق عملية الإصلاح، لأن الأنظمة الحاكمة ستدّعي أنها تسير نحو الاصلاح، وإن لم يكن بما يريده الجميع.

نقاشٌ ينطبق على قضايا خلافيةٍ عدّة، في الأردن، ومنها قانون اللامركزية، الذي نشرت مسودته، مؤخراً، وجرى وضعه ضمن قوانين سيناقشها مجلس الأمة في دورته الحالية.

لا شكّ أن نهج وفكرة اللامركزية يعد أمراً إصلاحياً بامتياز، فإذا كان هدف أية عملية إصلاحية إرساء قواعد المساواة والعدالة الإجتماعية، فإن مشاركة أبناء وبنات المجتمع، من سكان المحافظات والعاصمة لا خلاف عليها، إذ يلحظ الباحث والمراقب لتوزيع الميزانيات العامة للدولة أن العاصمة تحظى بحصة الأسد من التمويل للمشاريع والعمران والخدمات، مقابل إهمال المحافظات، لكن الرغبة بمشاركة المواطنين في صوغ قرارت الدولة من دون تمييز لا تترجم الأهداف نفسها التي يجب تنفيذها.

مسودة قانون اللامركزية التي نشرتها دائرة التشريعات، آب الماضي، تشكل تراجعاً كبيراً من حيث الشكل والمضمون لما يتوقعه المواطن، الذي ينشد بقوة رؤية مساواة حقيقية بين محافظات المملكة، خاصةً في ما يتعلق بالتوزيع العادل والمشاركة الحقيقية للمواطنين كافةً.

تكرس المسودة –مثلاً- نظام الصوت الواحد، الذي يعزز العشائرية على حساب العمل الحزبي والوطني، كما تخلو من أي ذكْر لكوتا المرأة أو المكوّن المسيحي، رغم أهمية مشاركة النساء وجميع المكوّنات الاجتماعية في المحافظات والمناطق النائية والمهمشة، ولا يجب أن يساهم القانون في إقصاء المرأة التي تواجه تهميشاً يمارسه بعض أفراد المجتمع.

يلحظ من يقرأ مسودة القانون استمرار سيطرة السلطة التنفيذية على مجريات الحياة السياسية كافةً، في الأردن، فرغم وجود مجلسين لكل محافظة، إلاّ أن دوْر المحافظ كبيرٌ ومبالغٌ به من خلال رئاسته المجلس التنفيذي للمحافظة، كما تُسند مراقبة انتخاب مجلس المحافظة (المجلس الثاني) إلى السلطة التنفيذية بدلاً من الهيئة المستقلة للانتخابات، كما ينص قرار المحكمة الدستورية والتعديل الدستوري الجديد.

يقول محمد الحسيني مدير مركز “هوية ” إن المجلس التنفيذي“ غير منتخب ولا يمثل المحافظة فعلياً بل يمثل الحكومة المركزية من خلال المدراء التنفيذيين في البلديات الذين يتم تعيينهم أساساً من قبل الحكومة”.

وتنص مسودة القانون في المادة 13 على إحالة أي خلاف بين المجلس التنفيذي (المعيّن) ومجلس المحافظة (المنتخب) إلى مجلس الوزراء من قبل وزير البلديات، ولأن المجلس التنفيذي يمثل الحكومة المركزية فإن اليد العليا ستكون له على مجلس المحافظة عند وقوع أي خلاف محتمل.

يناقش مجلس النواب المسودة خلال الأشهر المقبلة، ويأمل نشطاء المجتمع المدني تعديل البنود التي تعتبر تراجعاً في عملية الإصلاح رغم أهمية إقرار قانون يكرس اللامركزية. فأيهما ينجح، تحسين القانون أم فرضه قانوناً سيئاً يكون إنفاذه مساوياً لعدم تشريعه مطلقاً؟

 

  • داود كتّاب: مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي. أسس العديد من المحطات التلفزيونية والإذاعية في فلسطين والأردن والعالم العربي.

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .