نوفمبر 24 2014

المعركة من أجل القدس: معركة شخصية

موقع دوت مصر

بقلم داود كُتّاب

ليس من الواضح، ما إذا كان وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي أحداث العنف الأخيرة بأنها معركة القدس هو وصف لما يحدث أو رغبة انتخابية.  ومع ذلك، إذا كان الأمر كذلك، فإن نتائج ‘معركة القدس’ ستكون بالتأكيد مختلفة عما يتنبأ عنه الإسرائيليون.

إحدى أولى المؤشرات التي تشير إلى أن القدس هي مختلفة كانت ولا تزال متعلقة بالجانب الشخصي للمدينة وسكانها وتفاعلهم معها وأنسنة  الإعلام حولهم.  أكثر من 2000 فلسطيني قتلوا في الحرب الإسرائيلية على غزة، ونحن لا نعرف إلا القليل جداً عنهم.

في القدس، فإن أسماء كل من الفلسطينيين والإسرائيليين الذين قتلوا أُعطوا أهمية أكثر من ذلك بكثير في التغطية الإعلامية والمناقشات العامة.  محمد أبو خضير الذي قتل بطريقة وحشية من قبل المستوطنين اليهود، ويوسف راموني، السائق الفلسطيني الذي كان يعمل على حافلة إسرائيلية والذي قيل إنه شنق نفسه أصبحا أسماء مألوفة.  الإسرائيليون الذين قتلوا في الهجوم على الكنيس اليهودي أيضاً تم تسميتهم وإضفاء الطابع الشخصي عليهم وهم الحاخام موشيه تويرسكي والحاخام أفراهام شموئيل غولدبيرغ والحاخام كالمان ليفين وأرييه كابنسكي. وبالمثل فقد أعطتنا الصحافة أسماء أولاد العم الفلسطينيين وهما غسان وعدي أبو جمال من حي الطور في القدس.

تسليط الضوء بشكل ساطع على مختلف ضحايا العنف في القدس سيرفع بالتأكيد الحرارة العاطفية والسياسية في مدينة كانت على وشك أن تصل نقطة الغليان منذ فصل الصيف.  العقوبات التي تخطط لها إسرائيل لأهل القدس سوف يكون لها تأثير يذكر في نزع فتيل التوترات وستساهم بالتأكيد في اتساعه على نطاق واسع.

في حين أن رئيس وزراء إسرائيل والوزراء والسياسيين الآخرين اتهموا بسرعة القيادة الفلسطينية في رام الله وغزة على ما حدث، فإن المسؤول الأمني الإسرائيلي بما في ذلك رئيس الشاباك (الأمن الداخلي) ناقضا علناً قادتهما السياسيين ملقيان اللوم في أعمال العنف على العنف الإسرائيلي الذي حدث في وقت سابق وليس على أي شيء آخر.

الحقيقة هي أن إسرائيل لديها سيطرة كاملة على القدس الشرقية، على عكس مناطق أخرى من الأراضي المحتلة.  أنشأت جدارأً يفصل القدس عن بقية الأراضي الفلسطينية واستخدمت وسائل قانونية وإدارية لزيادة عزلة القادة الفلسطينيين.  منعت سابقاً مهرجان الدمى للأطفال في مسرح الحكواتي في القدس لأنه تم تمويله من قبل الحكومة النرويجية عبر الحكومة الفلسطينية التي مقرها رام الله مستخدمة بذلك قانون الطوارئ.

إن هاجس إسرائيل بفصل القدس الشرقية عن بقية فلسطين يعني أن القيادة الفلسطينية ليس لديها نفوذ على مواطنيها الفلسطينيين.  وكانت النتيجة أن ثلاثماية ألف من سكان المدينة تركوا أيتاماً بلا قيادة سياسية يتصرفون كذئاب وحيدة لا تتأثر ولا توجه من أية قيادة واضحة.

ترتفع الحرارة السياسية في القدس أيضاً عندما يحاول أي طرف زعزعة المعتقدات الدينية القوية للفريق الآخر.  دخول الأمن الإسرائيلي إلى  ثالث الحرمين بأحذيتهم في 29 تشرين الأول/أكتوبر يعتبره المسلمون في جميع أنحاء العالم انتهاكاً لإيمانهم ومقدساتهم.  هذا لا يبرر قتل المصلين اليهود في كنيس يهودي إلا أنه يظهر أن ما حدث ولا يزال يحدث في مسجد الأقصى قد ترك آثاراً عميقة عند السكان.

ذكرت تقارير صحفية أن المصلين اليهود الأربعة الذين قتلوا يوم الثلاثاء يحملون جنسية مزدوجة وهم ثلاثة أميركيين وواحد من المملكة المتحدة.  الجندي الدرزي، زيدان سيف، الذي جاء لنجدتهم مات هو أيضاً متأثراً بجراحه خلال تبادل إطلاق النار مع المهاجمين الفلسطينيين من القدس.

تعدد الجنسيات والأعراق في الهجوم يشير الى أهمية هذا التنوع الكبير في القدس بالتحديد، ولذلك ينبغي أن يتم القضاء على تلك السياسات العنصرية والإجراءات اليومية وإعطاء اهتمام أكبر من قبل المجتمع الدولي.  يجب على المجتمع الدولي إلى جانب كبار القادة العرب والمسلمين أن يتصرفوا بحكمة وقناعة لإيجاد حلول طويلة المدى لهذا الصراع ووضع السياسات التي تضمن حرية العبادة وتحمي جميع الأماكن المقدسة في القدس. ترك قضية متفجرة مثل القدس في أيدي المستوطنين الإسرائيليين تديرها حكومة نتنياهو لن يؤدي إلا إلى مزيد من الكوارث.  لقد حان الوقت أن يتصرف المجتمع الدولي بطريقة حاسمة وأن يضع حداً لهذه الحلقة المفرغة من العنف.

لا تحتاج مدينة القدس إلى الإقتتال من أجلها، بل أن تترك كمدينة مفتوحة لجميع المؤمنين ليعبدوا بحرية.  تعريف العنف الحالي بأنه “معركة من أجل القدس” يصب الزيت على النار ويؤدي الى تصعيد العنف.  بالنسبة لكثير من الناس في المدينة وحول العالم، عندما يتعلق الأمر بالقدس فإنه يعتبر أمراً شخصياً جداً.

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .