نوفمبر 24 2014

أول لقاء لي مع عرفات

AlHayat

بقلم داود كُتّاب

في ربيع عام 1994، كان لي شرف إجراء مقابلة حصرية مع القائد الفلسطيني ياسر عرفات.  في ذلك الوقت، كان رئيس منظمة التحرير الفلسطينية في تونس، والمقابلة كان قد تم ترتيبها من قبل ثلاثة من قادة الضفة الغربية المحليين الذين كنت أعرفهم. مروان البرغوثي وجبريل الرجوب وسمير صبيحات كان قد تم إبعادهم من قبل إسرائيل خلال الإنتفاضة الأولى.  كان أبو عمار قد وقّع قبل بضعة أشهر اتفاق أوسلو وكان أصدقائي جزءً من الوفد المرافق لعرفات الذي كان يستعد للعودة المنتصرة.  الشباب هؤلاء الثلاثة قد قضوا وقتاً في السجون الإسرائيلية، وكانوا يتقنون العبرية بطلاقة، وبالتالي كانوا الحلقة الأساسية في المرحلة الإنتقالية المهمة التي كانت تحدث آنذاك.

وكما كانت العادة، فإن القائد الفلسطيني لم يكن يمنح وقتاً محدداً للمقابلات، إنك تحتاج أن تبقى منتظراً في الفندق حتى يستدعيك.  كنت أعرف من الزملاء أنه غالباً ما كان يجري المقابلات في ساعة متأخرة من الليل.

أثناء انتظار المقابلة ØŒ قضيت بضعة أيام مع القادة الشباب الفلسطينيين الثلاثة (وأجريت معهم مقابلة أيضاً) تحضيراً للمقابلة الكبيرة.  إحدى القضايا التي أثار هؤلاء القادة الشباب إعجابي فيها كانت فكرتهم أن الحركة التي ينتمون إليها أي “حركة فتح” يجب أن تخضع لتغيير كبير موضحين أنه بينما كان الفلسطينيون يستعدون لإقامة دولة، فإنه من المنطقي أن تصبح فتح حزباً سياسياً.

طبعاً، تم استدعائي عند منتصف الليل تقريباً.  وكان الفلسطينيون الثلاثة حاضرين خلال المقابلة، وأيضاً خالد سلام، أحد مستشاري عرفات، الذي كان من شأنه أن يصبح لاحقاً شخصية مثيرة للجدل في فلسطين.

كانت المقابلة جافة نوعاً ما.  كنت قد أزعجت عرفات عندما تحدثت عن حماس ولكن النقاش كان سهلاً إلى أن طرحت القضية التي أثارها أصدقائي حول تحويل حركة فتح إلى حزب سياسي.

بدأت طرح القضية بأني سألت عرفات عما كان يعتقده حول رغبة مختلف فصائل منظمة التحرير الفلسطينية التحول إلى حزب سياسي.  هذه الفكرة لم تشكل مشكلة بالنسبة إليه قائلا إنها تطور طبيعي.  ولكن عندما حولت نفس السؤال بأن اقترحت عليه أن تصبح حركة فتح حزباً سياسياً، غضب عرفات، وطلب إنهاء المقابلة ووجه لي محاضرة طويلة حول ماهية فتح.

قال “نحن حركة ونمثل كل الفلسطينيين ولدينا أشخاص من اليمين واليسار والمُتدينين والعلمانيين”ØŒ محاولاً أن يشرح لي أن فكرة أن تصبح فتح حزياً سياسياً غير مقبولة تماماً لديه. كانت حجته أن الأحزاب لديها برنامج ويجب أن تعلن موقفها من مختلف القضايا، بينما الحركة التي كان يقودها لها هدف واحد ألا وهو تحرير الأراضي الفلسطينية وكان متأكداً في ذلك الوقت أن النضال التحريري لم ينتهِ بمجرد أنه تصافح مع رابين في حديقة البيت الأبيض.

أذكر أنني فوجئت وفيما بعد توصلت إلى الإعتقاد بأن غضب عرفات من سؤالي كان في الحقيقة موجهاً إلى قادة الضفة الغربية الشباب الذين رتبوا لي المقابلة وزرعوا الفكرة لدي.  ورغم أنه كان يلقي المحاضرة علي إلا أن باعتقادي كان يحاول أن يوصل إليهم رسالة بالتخلي عن فكرتهم بتحويل الحركة التي يرأسها إلى حزب.

قبل عشر سنوات، فإن ياسر عرفات، مؤسس الثورة الفلسطينية الراهنة، والذي كان محاطاً بالقوات الإسرائيلية التي كانت تحاول جاهدة إخماد الإنتفاضة الثانية، أصبح فجأة مريضاً للغاية في ظروف غامضة وتوفي لاحقاً في مستشفى فرنسي. السبب الحقيقي للوفاة لا يزال مجهولاً على الرغم من أن معظم الفلسطينيين يعتقدون أن الدبابات الإسرائيلية التي حاصرت المقاطعة في ذلك الوقت قد تكون لها علاقة بوفاته.

كان عرفات قائداً غير عادي، ذا عادات غريبة، لكنه كان يتمتع بتركيز واضح وهدف واحد. سواء كنت تحبه أو تكرهه، فإنه لا يمكنك إلا أن تحترم هذا القائد صاحب الشخصية الكاريزماتية الذي نقل الفلسطينيين من النكبة في عام 1948 والنكسة في عام 1967 ليصبحوا كياناً وطنياً متماسكاً موحداً بقيادة حركة وطنية هدفها الأوحد تحرير فلسطين وإقامة دولة مستقلة. كان مستعداً أن يفعل أي شيء قد يساعد في دفع القضية الفلسطينية التي جسدها شخصيا.ً

لم يَخَفِ الجدل وكان شجاعاً ومجازفاً في الذهاب إلى أماكن حيث لا يحذو حذوه معظم القادة الآخرين. على سبيل المثال، يتساءل العديد اليوم فيما لو كان عرفات موجوداً في عام 2007 هل كان سيقف مكتوف الأيدي عندما سيطرت حماس على غزة؟

كان عرفات الثوري ضد فكرة وجود حزب سياسي في عام 1994. وكثيراً ما كنت أتساءل ماذا لو حدثت الأمور بشكل مختلف وتحولت فتح بالفعل إلى حزب سياسي مناسب، بأجندة واضحة تهدف إلى بناء الدولة وخطة اقتصادية وانتخابات والتناوب في السلطة؟  ولكن  وبعد 47 عاماً من الإحتلال أتساءل ما إذا كان النضال من أجل التحرير قد انتهى بالفعل!

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .