ديسمبر 15 2013

غضب إسرائيل على الولايات المتحدة سينعكس على الفلسطينيين

بقلم داود كتّاب *

في الظاهر، من الصعب أن نرى أية صلة مباشرة بين الصفقة التي أُبرمت مؤخراً بين إيران ومجموعة 5+1 ومحادثات السلام الفلسطينية الإسرائيلية. إذا كانت هذه الصفقة، كما يعتقد المجتمع الدولي، ستجعل العالم أكثر أمنا، فإنه ينبغي أن تعجّل بدلاً من أن تُبطئ في حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

 لكن الواقع يختلف.

 احتلت قضية إيران الجزء الأكبر من  أقوال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول سياسته الخارجية بحيث أنه إذا خسر هذا الرهان فإنه من المحتمل أن تتأثر به جبهات أخرى.

 تأثير صفقة إيران على عملية السلام هو تأثير نفسي أكثر من أي شيء آخر. يدعي الإسرائيليون بأنهم طُعنوا من حلفائهم الأميركيين، وبالتالي فإن عامل الثقة بين تل أبيب وواشنطن هو في أدنى مستوياته. لم يحاول القادة الإسرائيليون تخفيف غضبهم علناً في البيت الأبيض الذي اعتبره نتنياهو  “خطأ تاريخي”.

 وما يدعو إلى السخرية هو أن الغضب الإسرائيلي من الولايات المتحدة ينبغي أن يؤدي في العادة إلى رد فعل مساوٍ من قبل أميركا والذي من شأنه أن يجعل إسرائيل تخسر حليفها الأقوى في المنطقة وبذلك يكون موقف الولايات المتحدة  تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هدية ضخمة غير متوقعة للفلسطينيين.

 ولكن المشكلة تكمن في أنه عندما تغضب إسرائيل من الولايات المتحدة تبدأ أميركا في البحث عن طرق لإرضاء طفلها المدلل بدلاً من تجاهلها إياه. من الواضح أن اسرائيل لن تدفع ثمناً سياسياً لانتقادها الولايات المتحدة علناً، ولن يخفف ذلك من مجمل الدعم الأميركي الثابت لإسرائيل.

 القادة الفلسطينيون قلقون للغاية من تداعيات الانتقادات الإسرائيلية العامة لصفقة إيران، مما قد يدفع إدارة أوباما أن تبحث عن طرق لإرضاء الإسرائيليين بدلاً من التصدي لهم بالمثل لموقفهم العلني المناهض للولايات المتحدة.

 القلق عند الفلسطينيين هو أن أميركا من غير المرجح أن تثير غضب الإسرائيليين؛ وهكذا فإن البيت الأبيض بعد أن تصدى لإسرائيل واللوبي الإسرائيلي بشأن قضية إيران، سيخفف من أية ضغوطات على إسرائيل في ما يخص عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

 وبالفعل قال عدد من السياسيين الإسرائيليين أن صفقة إيران سوف تسبب ضرراً لعملية السلام.  في الواقع، وفي خضم المناقشات حول إيران، ألمح رئيس الوزراء الإسرائيلي أن أي اتفاق (غير مقبول لإسرائيل) سوف يضر حتماً بعملية السلام.

 في حين أن سيناريو أسوأ الحالات المذكور أعلاه هو النتيجة الأكثر احتمالاً لاتفاق جنيف الذي اختتم أعماله مؤخراً في إيران، فإنه من غير المرجح أن نشهد أي مظهر عام له.

قريباً ستتحسن العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة وسوف تعلنان على الملأ أنهما لا تزالان ملتزمتين بمحادثات السلام. سيواصل المفاوضون الإسرائيليون حضور محادثات السلام السرية وسيتأكد العالم بأن عملية السلام تسير على الطريق الصحيح، حتى ولو من المحتمل أنه لن ينتج عنه شيء جوهري.

 ومع ذلك، فإن النقطة الفاصلة في هذا الأمر ليست ما إذا كانت محادثات السلام ستتأثر أم لا، لأنها لن تتأثر.

تكمن المشكلة أنه في أفضل سيناريو حتى تأتي عملية السلام الحالية بالنتائج الإيجابية، فإن هذا يتطلب جهوداً جبارة والكثير من الضغوط، ومعظمها على المحتلين الإسرائيليين الذين سيحتاجون إلى اتخاذ القرار الصعب في ترك منطقة خاضعة لسلطتهم منذ زمن.

 للوصول إلى مثل هذا الاحتمال سيتطلب الأمر عنصرين أساسيين. والأهم هو أن واشنطن والرئيس الأميركي تحديداً، سوف يحتاج الى استخدام الرصيد السياسي بشكل هائل لتحقيق مثل هذه الصفقة. ثانياً، يجب أن يتحلى الإسرائيليون والأميركيون بدرجة عالية من الثقة.  الإحتمالات ضعيفة على كلي الصعيدين.

 الرصيد السياسي للبيت الأبيض منخفض بسبب صفقة إيران. والقيادة الإسرائيلية، بالإضافة إلى أن العديد من الرأي العام الإسرائيلي، لديهم درجة منخفضة من الثقة تجاه حلفائهم الأميركيين في هذه الأيام.

 عندما يتعلق الأمر بالقضية التي لها نتيجة مباشرة على إسرائيل (على عكس قضية إيران التي يتم التعامل معها عن بعد بالرغم من الإدعاءات المغايرة لذلك)، فإنه من المحتمل أن يتخذ الإسرائيليون موقفاً دفاعياً للغاية عندما يتعلق الأمر بالضغوط الخارجية.

 بطبيعة الحال، فإن أكثر الضغوط فعالية لواشنطن على إسرائيل هي تلك التي يمكن تطبيقها بسهولة إذا ما خفف الأميركيون ببساطة دفاعهم القوي عن إسرائيل في المحافل الدولية. وإذا ما توقف استخدام الفيتو الأميركي فجأة في مجلس الأمن، فإن هذا سيكون اختباراً واقعياً هائلاً لإسرائيل. واحتمال حدوثه في المستقبل القريب، خاصة بعد الخلاف بشأن إيران، هو قريب من درجة الصفر.

صفقة إيران تعتبر الخبر السار لمنطقة الشرق الأوسط التي شهدت عمليات عسكرية فقط وتقدماً قليلاً على الجبهة الدبلوماسية. الآثار المترتبة على المدى الطويل لهذه الصفقة، إذا ما استمرت كما هو مخطط لها، سوف تكون جيدة في كل مكان.

ومع ذلك، فإنه في المدى القصير من غير المرجح أن تحصل أية دفعة جادة لاختراق سياسي في عملية السلام، ما لم تحدث معجزة.  ولكن المعجزات تحدث في بعض الأحيان في الأراضي المقدسة.

 *        الكاتب صحفي فلسطيني مقيم في القدس وعمان

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .