مايو 20 2013

إسرائيل وفلسطين بعد أوسلو

عن جريدة العرب اليوم

ترجمة سمير الشوملي

بقلم داود كتاب

اجتمع شمعون بيريز ومحمود عباس في 13 أيلول من عام 1993 في البيت الأبيض إشارة إلى إعلان المبادئ بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، أو اتفاقيات أوسلو. ثم ختم قائد المنظمة، ياسر عرفات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، إسحق رابين الاتفاقية بمصافحة تاريخية.
دعت اتفاقيات أوسلو، التي جاءت نتيجة لمحادثات سرية شجّعت عليها الحكومة النرويجية وأُقيمت في عاصمتها، إلى فترة انتقالية مدتها خمس سنوات تنسحب فيها القوات الإسرائيلية من قطاع غزة ومناطق غير معيّنة من الضفة الغربية، وتقام سُلطة فلسطينية هناك. وصاحبت الاتفاقيةَ رسالتا اعترافٍ بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل. وكان الهدف النهائي، رغم عدم ذكره صراحة، خلْق دولة فلسطينية ضمن حدود 1967 تقريباً.
لكن الأهداف المرسومة في اتفاقيات أوسلو تبقى بلا تحقيق. وفي واقع الأمر، فإنه من غير المحتمل أن تعيش هذه الاتفاقيات بعد بيريز (89 سنة) وعباس (77 سنة)، اللذين يحتلان الآن رئاسة إسرائيل والسلطة الفلسطينية على التوالي. وقد أسهمت عدة عوامل في تدهور احتمالات نجاح سلام دائم.
ولعل أهم عامل الاستمرار في أنشطة الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة وتسريعها أحياناً. وقد اعترض بعض الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة على فشل الاتفاقيات وطالبوا بصراحة بإنهاء بناء المستوطنات الإسرائيلية غير المشروعة. لكن، في ضوء منظمة التحرير الفلسطينية والافتقار إلى الدعم في العالم العربي بعد رفضها معارضة احتلال العراق للكويت، قبِل قادتها اتفاقية معيبة، محتجّين بالقول إنه سيتم الاتفاق على الحدود الفلسطينية أثناء الفترة الانتقالية.
لكن بعد مرور 19 سنة، أصدرت “مؤسسة السلام للشرق الأوسط”ØŒ التي تتخذ من واشنطن مقراً لها، تقريراً يفيد أنه بُنيت مستعمرات يهودية في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ اتفاقيات أوسلو أكثر من تلك التي تمّ التوقيع عليها. ونتيجة لذلك، فإن ضرورة تجميد الأنشطة الاستيطانية أصبحت متطلَّباً دولياً – لا فلسطينياً فحسب – لمحادثات السلام الفاعلة.
وهنالك عامل حيوي آخر، ألا وهو العنف المستمر. فمنذ أن تصافح رابين وعرفات، قُتل نحو 7500 فلسطيني و 1400 إسرائيلي، وجُرِح وسُجن عدد أكبر من ذلك. ونتج عن سياسة إسرائيل الأحادية تدمير البيوت في فلسطين وتهجير عشرات الفلسطينيين أو تشريدهم في القدس والخليل ووادي الأردن، وفي أماكن أخرى. ومع أن عمليات القتل قلَّت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، إلا أنه نادراً ما يمر يوم من دون حدوث شكل من أشكال العنف الموجّه ضد المدنيين في الغالب – بمن فيهم الأطفال.
ويعكس تأجيج هذا العنف يأساً متنامياً في غياب اتفاقية دبلوماسية. فمع أن القادة الدوليين يملؤون الأثير بأحاديث السلام، إلا أنهم يفشلون في التصدي للصراع بجسارة وتصميم.
فعلى سبيل المثال، أنعش انتخاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما قبل أربع سنوات الأمل في مواصلة المفاوضات. لكن مبعوث أوباما للسلام، جورج ميتشيل، استقال وتمت تنحية الأطراف الأربعة – الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وروسيا، والولايات المتحدة. وفي هذه الأثناء، صار تعهُّد رئيس الوزراء الإسرائيلي المشروط بدعم دولة فلسطينية بلا معنى، بسبب سياسة حكومته الاستيطانية المستفزة في المناطق التي كان يفترض أن تقوم عليها الدولة الفلسطينية.
قسّمت اتفاقيات أوسلو الأراضي المحتلة إلى ثلاث مناطق، حيث يتولى الفلسطينيون الأمور في المناطق المدنية عالية الكثافة، في حين تحافظ إسرائيل على السيطرة العسكرية والإدارة بشكل كلي على المنطقة الأكبر، وهي منطقة “جـ” التي تشكل 61% من الضفة الغربية.
يعتقد فلسطينيون كثيرون أن هذا الأمر يخدم هدفاً صهيونياً بعيد الأمد للمحافظة على الأرض من دون أهلها. وقد وصلت المستوطنات الإسرائيلية فعلياً إلى حد اغتصاب أراضٍ يسعى الفلسطينيون أن يوسعوا فيها دولتهم. ونتيجة لذلك، في غياب اتفاق على الحدود، ستشهد منطقة “جـ” أكثر المواجهات خطورة.
وفضلاً عن ذلك، فشلت اتفاقيات أوسلو في وضع الفلسطينيين على مسار الاستقلال الاقتصادي. إذ يقول البنك الدولي ووكالات دولية أخرى إن عمليات البيروقراطية والأمن، بما في ذلك مئات من نقاط التفتيش، تجعل التطور الاقتصادي الفلسطيني أمراً مستحيلاً.
ويفاقم المشكلة اعتماد الفلسطينيين على البضائع الإسرائيلية، شأنه شأن السيطرة الإسرائيلية على حركة البضائع والأشخاص إلى الضفة الغربية وقطاع غزة المحاصر.
هدفَ أهم أحد ملاحق اتفاقيات أوسلو إلى تحديد العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. غير أن إسرائيل اختطفت هذا الملحق لصالح شركاتها ومؤسساتها التجارية. ويتطلب البروتوكول من السلطة الفلسطينية أن تحدّد أسعار بضائع معينة ومعدل قيمة الضريبة المضافة المدفوعة إلى إسرائيل. وهو يفرض على الفلسطينيين أن يستخدموا العملة الإسرائيلية، وينظم الإجراءات الجمركية عند معابر الحدود مع الأردن ومصر.
وليس الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، الذي صار عمره الآن خمساً وأربعين سنة على الأقل، مشكلة عويصة؛ بل يمكن أن يلخّص باقتضاب فهو على حد قول السياسي الأمريكي جيمس كارفيل: “إنه الاحتلال الغبي.”
سيحظى عباس في نهاية الأمر بمصادقة من الجمعية العامة للأمم المتحدة على دولة فلسطينية – وسيكون هذا آخر إنجاز له قبل أن يترك السياسة، كما أفضى إلى بعض كبار معاونيه. وبعد غيابه ستُفتقَد معارضته الراسخة للعنف ودعمه للتعاون الأمني.
سيمثل القرار الرمزي بالاعتراف بالدولة، وخروج عباس بعد ذلك، نهاية العملية التي بدأت في أوسلو. وقد قوّض هذا تطلعات الفلسطينيين على مدى عقدين تقريباً. ومع كون عملية أوسلو ميتة الآن بشكل واضح، يبقى خياران: الفوضى والتطرف والعنف، أو عملية سلام جديدة – عملية يمكن، من ناحية مثالية، أن تنهي الاحتلال وتسمح باستقلال وحرية الفلسطينيين، مع إسرائيل آمنة.

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .