يناير 29 2013

الانتخابات اختبار- فهل من يعترف بنتائجها؟

نشرت بواسطة الساعة 11:45 ص تحت فئة مقالاتي,اﻷردن -

* بقلم داود كتاب

إذا ما قبلنا ما قاله المراقبون الأردنيون والعرب والأجانب إن الإنتخابات الأخيرة كانت بمجملتها نزيهة وإذا ما زلنا نؤمن بأن الشعب مصدر السلطات، فإننا أمام سؤال محير.  لماذا يغيب وبشكل كبير أي تقبل للنتائج أو تفهم لإرادة الناخب أو احترام لإرادة الشعب أو اعتراف الخاسرين بالهزيمة أو تهنئة صادقة للرابحين أو قبول المعارضة بأنه تمت مشاركة المواطنين أو قبول الحكومة بأنه كان هناك غياب لمكونات المجتمع؟

لا يبدو أن النقد الذاتي أو تقبل الحقائق من الصفات التي تشكل عنصراً من الثقافة العامة.  قد يكون البعض قام بالنقد الذاتي ضمن أطر ضيقة جداً وفي الخفاء لكن الجمهور الواسع من المواطنين لم يسمع- لا سمح الله- بمسؤول أو زعيم سياسي أو ناشط حراكي بقول كلمة تعكس ضعف موقف المتحدث أو حزبه أو حركته.

خرجت نتائج الانتخابات بنتائج قلبت الكثير من التوقعات ولكننا لم نسمع بتقبل النتائج من أي من الذين كانوا يتباهون مثلاً أن قائمتهم ستحصد 8 أو 9 مقاعد أو أنهم سيشكلون الحكومة الجديدة أو أن وجهة نظرهم هي التي تمثل إرادة الشعب في الأردن.

في العادة يقوم الخاسرون في أية انتخابات حضارية بقبول النتائج وبنتهنئة الفائز.  وباستثناء النائب السابق غازي مشربش الذي هنأ عبر صفحته على الفيسبوك عاطف قعوار لم نسمع بمرشحين هنأوا الجانب الآخر. بل كل ما نسمعه هو احتجاجات واتهامات بعدم نزاهة الانتخابات وما الى ذلك من تهم بدون دليل مقنع والأهم لم نرَ أي مرشح يعبّر بتواضع عما جرى وينحني لإرادة الشعب والتي كان يهلل لها قبل أيام.

المشكلة أكبر لدى بعض كبار المرشحين مما كان لهم مناصب ورئاسات وتوقعات باحتلال مركز أول رئاسة وزراء برلمانية في حين أن قائمتهم بالكاد حصلت على مقعد واحد.  أين قبول رغبة الشعب؟ أين الإستقالة من الحزب والعمل السياسي وإعطاء فرصة لجيل جديد لعل وعسى؟

من الواضح ان هناك غياباً للنضوج السياسي وعدم وجود تقاليد ديمقراطية وهي أمر على الجميع العمل على ترسيخها. فكيف لنا أن نعلّم أولادنا بالديمقراطية إن لم نكن نحن نمارسها ربحنا الانتخابات أم  خسرناها.  كيف يمكن ان ندخل مبدأ الروح الرياضية التي تقبل الخسارة بل وأهم من ذلك التعلم من الخسارة.  لدى مراجعة كبار زعماء العالم نرى أنه في أول حياتهم الحزبية خسروا انتخابات وتعلموا دروس تلك الخسارة وعادوا بعد ذلك الى سلسة نجاحات جاءت لأنهم تقبلوا الخسارة وحولوها لدرس.

من المعروف أن الأردن بقيادة الملك يرغب بوجود حياة حزبية وبوجود عدد قليل من التكتلات الحزبية.  لقد شاركت في الانتخابات الحالية 61 قائمة انتخابية أفرزت مجموعة كبيرة من النتائج المتواضعة (17 ممثلاً بمقعد واحد). هذه النتيجة يجب ان تعيد الجميع الى فكرة الإندماج . والإندماج يتطلب أولاً تقبل موقع كل شخص وقوته الإنتخابية الحقيقية وليست النظرية.  قبل الإنتخابات كان الكل يدعي أنه الأفضل والأقرب لرغبات المواطن ومدعوم بإرادة شعبية ولكن بعد خروج النتائج من المفترض أن يتجلى الناس بالتواضع ويتحركوا للإندماج في تجمعات جديدة يعرف كل مشارك فيها وزنه الحقيقي ويتم التعامل حسب النتيجة المعلنة.

الأمر ذاته ينطبق على موضوع المشاركة.  بدل من تقبل وجود مشاركة من عدد لا بأس به من المواطنين (1.2 مليون) كل ما سمعناه من دعاة المقاطعة هو تشكيك بالأرقام وتضخيم للمخالفات الإنتخابية بدل من الإعتراف بضعف المقاطعة.

 من ناحية أخرى، لم تكن الأصوات المؤيدة للحكومة صادقة تماماً في تفسير نتأئج الإنتخابات من حيث المشاركة.  فمثلاً تمت مقارنة ما قيل أنه نسبة المشاركة في انتخابات البرلمان السابع عشر  (56%) ارتفعت مقارنة مع نسبة المشاركة في السادس عشر (وهي 52%).  ولكن الحقيقة أن كيفية الخروج بتلك غير متشابهة.  ففي حين أن نسبة هذا الموسم ال 56% هي عبارة عن نسبة المشاركين (1.27 مليون) من المسجلين (2.27 مليون) وليس الذين لهم حق التصويت (3.1 مليون) إلا أن نسبة ال 52% هي نسبة المشاركين ممن كان يحق لهم المشاركة في البرلمان السادس عشر والذي لم يكن فيه تسجيل للناخبين. ولو حاولنا مثلاً معرفة نسبة المشاركين في الإنتخابات مقابل من يحق لهم المشاركة لكانت النسبة لهذا الموسم حوالي 41%.

يقول المؤرخون إن فترة الحروب هي أهم فترات الترقيات لضباط الجيوش.  فالمعركة الحقيقية على أرض الواقع هي فرصة لمن لديه شجاعة وحنكة أن يضعها أمام محك القتال والمعارك. الأمر نفسه ينطبق على المعركة التي شهدتها الأردن.  فمن الضروري أن يتم تعلم الدروس وتقبل الخسارة بروح رياضية والإستفادة من الأخطاء والإعتراف للشعب بالتقصير أو إن كان مناسباً بالاستقالة لإعطاء مجال للآخرين خاصة للشباب الذين يمثلون 70% من المواطنين والذين لا يزالون بالأساس خارج اللعبة السياسية بسبب تشبث الكبار والمسنين على المقاعد.  إن الإنتخابات امتحان وفي نتائج الإمتحان درس للجميع وعلى من تعلم الدرس ان يطبقه بشجاعة واحترام للشعب.

*        مدير عام راديو البلد وموقع عمان نت

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .