يناير 24 2013

فتح إلى أين؟

بقلم داود كتاب

عندما قرر فلسطينيون جامعيون ونشطاء في الكويت أنهم يحتاجون أن يتولوا بأنفسهم زمام الأمور لتحرير فلسطين اختاروا لبنان البلد الذي أرادوا أن يطلقوا منه أول هجوم مسلح ضد “الصهاينة” في اليوم الأول من عام 1965.

أولئك الذين خططوا ودعموا الهجوم أصدروا أول بيان صحفي في الكويت، إلا أنهم لم يكونوا متأكدين من كيفية التوقيع عليه وسموا حركتهم “حركة التحرر الوطنية الفلسطينية”. ثم أرادوا اسما أقصر فحاولوا ايجاد مختصراً لاسم الحركة يكون كدليل لها.  كانت أحرف الاسم المختصر تعني “حتف” غير جذابة.  لذلك قام قادة الشباب بعكس الأحرف وتوصلوا إلى الكلمة المختصرة “فتح”.

منذ ذلك الحين، أصبح هذا اليوم الأول من عام 1965 الذي تم فيه توزيع البيان الصحفي للعالم والذي كان يحمل اسم حركة فتح، أصبح تاريخاً للذكرى السنوية للحركة الوطنية الفلسطينية الرائدة.  وفي غضون سنوات قليلة، فإن مؤسسي حركة فتح، بما في ذلك ياسر عرفات وخليل الوزير (أبو جهاد) وصلاح خلف (أبو إياد) ومحمود عباس، أصبحوا قادرين على تولي مسؤولية إنشاء مؤسسة من ابتكار الجامعة العربية ألا وهي منظمة التحرير الفلسطينية.

عند إطلاق حركة فتح، كان نصف فلسطين فقط تحت السيطرة الإسرائيلية وكانت نقطة الحوار الأكبر تتمحور حول حق العودة للاجئين الفلسطينيين الذين كانوا يتعرضون للطرد في جميع أنحاء المنطقة مثل كرة قدم سياسية.

والآن وبعد مرور سبعة وأربعين عاماً، أصبحت كل فلسطين تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية وقضية عودة اللاجئين أصبحت في أسفل قائمة الأولويات بعد اتفاقات الحدود والقدس والحاجة إلى الأراضي المتجاورة بين غزة والضفة الغربية.

وفي حين أنه من الظلم إلقاء اللوم فقط على قادة الثورة الفلسطينيين بشأن وضع الفلسطينيين البائس اليوم، فإنه توجد أسباب كثيرة لا تقبل بالسماح لقادة فتح التنصل من المسؤولية لوضع الفلسطينيين الحالي.

احتفل قادة فتح في الضفة الغربية وغزة بالذكرى السنوية وسط حشود كبيرة من الناشطين الذين ملأوا الساحات ملوحين بالعلم الأصفر لفتح. وقد شاهد الجميع التأييد الكبير للحركة في غزة ونابلس ورام اللة وجنين وغيرها من المدن والقرى والمخيمات. وفي مخيم الدهيشة للاجئين قرب بيت لحم، سار نشطاء فتح في الزي العسكري ربما تذكيراً بالبداية المسلحة الرمزية للحركة.

إن معظم قادة فتح المؤسسين باستثناء محمود عباس إما قتلوا أو ماتوا لأسباب طبيعية.  وافق عباس، وهو مؤسس الحركة الوحيد الباقي، على عقد المؤتمر السادس يوم 4 آب/أغسطس من عام 2009 في بيت لحم وذلك بعد نحو 20 عاماً من عدم انعقاد الجمعية العامة للحركة. كانت هذه هي المرة الأولى التي عقدت فيها الجمعية العامة لفتح داخل فلسطين، رغم وجودهم في ظل الاحتلال المستمر.  فشل المؤتمر بجلب 400 مندوب من غزة بعد أن رفضت قيادة حماس السماح لهم بالمغادرة.  وكان من المتوقع أن هذا المؤتمر سيؤدي إلى قيادة شابة جديدة.  لقد جلب بالفعل قيادات أصغر نسبياً (مقارنة مع عباس ذي ال 77 عاماً)، ولكن قلة من بين القادة الأصغر سناً هم من الانتفاضة الأولى.

لم تكن قيادة فتح الجديدة قادرة أن تقرر سياستها وأيديولوجيتها وآلية عملها.  عباس وشركاؤه  قرروا أن السياسة الوحيدة التي يمكن أن تعتمدها الحركة بينما لا تزال تحت الاحتلال تنطلق من منصة اللاعنف.

أشاد عباس خلال حديثه في المؤتمر السادس ومرات عديدة منذ ذلك الحين، بالنضال الشعبي اللاعنفي، ولكن لا يزال هناك حاجة أن تتم إجراءات تشريعية حقيقية لهذه السياسة التي تفوه بها علناً.  وفي الواقع، انضم بعض قادة فتح للاحتجاجات الشعبية أيام الجمعة المناهضة للجدار في أماكن مثل بلعين والنبي صالح ونعلين، إلا أنهم لم يعتمدوا ولم يتبنوا ولم ينفذوا حقاً أية استراتيجية شاملة لاعنفية بل قدموا خدمة لفظية بشأن المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات ورفضوا متابعة الموضوع بجدية واستمرارية.

تعاني حركة فتح أيضاً من عقدة الهوية إذ أنها غير قادرة على اتخاذ قرار بشأن ما إذا كانت حزباً سياسياً أو حركة تحرير شعبية.  في حين أنه تم اتخاذ القرار بالبقاء خارج الحكومة، فإنه ليس سراً أن قادة فتح يتوقون للسلطة السياسية والمالية التي تقدم كوظيفة داخل السلطة الفلسطينية.

بالإضافة إلى الفشل في وضع استراتيجية من أجل التحرر وعدم القدرة على مقاومة مغريات السلطة، فإن قادة فتح كانوا غير قادرين على إصلاح العلاقات مع منافسهم حماس. لقد حاول عباس بشتى الطرق تحسين العلاقات مع منافسيه الإسلاميين، إلا أن الانقسام اتخذ بعداً إقليمياً ودولياً مع تدخل مستمر للقوى العربية والأجنبية لدفع أو إحباط المصالحة بما يناسب مصالحهم.

بينما يحتفل قادة فتح ببداية عامهم الثامن والأربعين كقادة للحركة الوطنية الفلسطينية، فإن كثيرين يتساءلون متى ستبدأ هذه الحركة بعملية النقد الذاتي الحقيقي.  على الرغم من النجاح في الأمم المتحدة فإن عدداً كبيراً من الفلسطينيين وضعوا لوم مشاكلهم إلى حد كبير على عاتق حركة احتكرت الدور في تحرير فلسطين (وفشلت فيه فشلاً ذريعاً). في الوقت نفسه، فإن فتح لم تسمح للآخرين أن يختبروا ما اذا كان بإمكانهم عكس مصير الفلسطينيين الذين عانوا منذ عقود كلاجئين فقراء وتحت الاحتلال.

عن موقع al-monitor.com

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .