أغسطس 23 2012

هل أنهى الزعران الدور الوطني لحل النزاعات في القدس؟!

بقلم داود كتاب

نجحت الانتفاضة الفلسطينية الأولى على طريقة مبتكرة في حل النزاعات الداخلية الفلسطينية خاصة في مدينة القدس.  برزت المشكلة بسبب رفض السكان اللجوء الى المحاكم والسلطات العسكرية والأمنية الإسرائيلية من ناحية والحاجة الى حل النزاعات الداخلية في غياب المحاكم والشرطة الوطنية من ناحية أخرى.

فالاعتماد على إسرائيل أو الفوضى التي تتشكل من غياب أي حل للمشاكل الداخلية يضعف النضال الوطني الفلسطيني ويزيد من السيطرة الإسرائيلية الفعلية.

جاء التحكيم الوطني للخروج من المأزق الذي وجد الفلسطينيون نفسهم فيه تحت الاحتلال.  فقام محامون وطنيون بإدخال فكرة التحكيم الإلزامي لكافة العقود والوثائق التي يتم توقيعها من قبل طرفين، كانا موظفاً ومالكاً أو طرفين في اتفاق تجاري.  وتعود فكرة التحكيم الالزامي الى قبول طرفي النزاع بقرار محكم يتفقان عليه وبالغالب يكون ذلك المحكم شخصية وطنية معروفة بنزاهتها ووطنيتها في آن واحد.

وقد نجحت الفكرة ولمدة ليست بقصيرة بعدم الوقوع في الفخ الإسرائيلي. وقد كان لشخصيات وطنية أمثال المرحوم فيصل الحسيني دوراً هاماً في ضمان نزاهة عملية التحكيم وتنفيذ تلك الأحكام بعيداً عن تدخل الإحتلال وتظلم الضعفاء.

إلا أن هذه الآلية لحل النزاعات بدأت تتصدع وتضعف مع استمرار الإحتلال وخاصة بعد زيادة عزلة القدس عن بقية الأراضي المحتلة. رويداً رويداً أصبح من الصعب إيجاد حلول عادلة للمشاكل التي زادت في القدس ومنها الإستيلاء على الأراضي والمساكن والابتزاز بمختلف أشكاله. وكان لغياب القيادات الوطنية ولغياب هيبتهم دور كبير في إضعاف محاولات إحقاق الحق والدفاع عن المظلومين.

لقد شكّلت زيادة قوة وشراسة ما أصبح يعرف بزعران القدس إرهاباً للمواطنين خاصة ذوي المصالح وأصحاب الأموال والذين اعتبرتهم الزعران فريسة مناسبة للسطو عليهم.  فانتظرت قوى الشر تلك أية فرصة يستطيعون من خلالها الإنقضاض على ذلك المقدسي أو تلك المقدسية.

طبعاً، كان معروفاً لدى الزعران أية جهات يجب تجنب استغلالها كالعائلات الكبيرة والجهات السياسية المعروفة (مثل حماس وفتح).  كما كان هناك ابتعاد عن الأشخاص ذوي العلاقات القوية مع الإحتلال لمعرفة تلك الفئات، وأن الشرطة الإسرائيلية التي غالباً ما تتدخل في الشؤون الداخلية الفلسطينية لن تسكت إذا تم استغلال أفراد أو جهات ذات صلة معها.

كان التعامل مع الجهات الوطنية سيفاً ذا حدين.  كان هناك تخوف من المواجهة مع أفراد أو فئات ذات صلة قوية مع الحركات الوطنية لأنها تستطيع من خلال كوادرها أن تأخذ حقها بيدها.  ولكن الأمر لم يكن بتلك البساطة.  يعرف سكان القدس معرفة واضحة أن هناك زعراناً تعاونوا أو حتى تحالفوا مع بعض القوى الوطنية أو ادعوا بتحالفهم معها من أجل إعطاء نفسهم الصفة الوطنية رغم أنهم بالأساس زعران أشرار.

وعودة لفكرة التحكيم، فقد اكتشف الزعران أن التحكيم يشكل مدخلاً ممتازاً لهم للحصول على مآربهم المالية وبصورة شبه قانونية. فبدأ هؤلاء الأشرار يبحثون عن أية قضية خلافية بين طرفين مقدسيين ويتدخلون أولاً لإقناعهم بعدم التوجه إلى الجهات الإسرائيلية لحل نزاعهم ومن ثم يقترحون التحكيم كوسيلة “وطنية” لحل النزاع.

طبعاً ما لا يعرفه من يحاول الحصول على تعويض عادل أو تسوية لمشكلة معينة هو أن هؤلاء الزعران يستطيعون الضغط على المحكمين للحكم بما يرغبون، وفي نفس الوقت يتوجهون إلى الطرف الذي يطالب بتعويض ويتفقون معه/ها على نسبة معينة من التعويض. “نحن سنضمن لكَ/لكِ تعويضاً جيداً وفي المقابل نستحق نسبة معينة.”

وبالطبع، يوافق الطرف المطالب بالتعويض، كان الطلب محقاً أم لا.  ومن ثم يبدأ الزعران بالضغط على المحكمين وتهديدهم لكي يحكموا بمبالغ خيالية تضمن للزعران دخلاً سريعاً ومغرياً. وفي وجود مثل تلك الإغراءات فإن الزعران مستعدون أن يهددوا وحتى أن يتهجموا على من يعارضهم بما في ذلك تشطيب الوجوه بأمواس وحرق السيارات وأية نقطة ضعف أخرى يكون الزعران قد اكتشفوها عن المحكم أو الطرف المطلوب منه دفعها. فهذه لم تعد خاوات قليلة بل مبالغ تصل أحيانا الى عشرات أو مئات الآلاف من الدولارات يتم دفعها من أشخاص خائفين من الأذى وغير مستعدين (أو واثقين) للاستعانة بقوة الإحتلال والتي في الغالب لن تهتم بتلك المشاكل بل تسعد لوجودها.

لقد أدى غياب العامل الوطني الملتزم في القدس وغياب التواصل مع بقية المناطق الفلسطينية وفساد عدد كبير (وليس الكل طبعاً) من القوى الوطنية في القدس إلى توسع عمليات السرقة والإرهاب والتهديد بشكل مقلق ويهدد فعلاً البقاء الوطني في القدس.  لقد بلغ السيل الزبى وأصبحت ظاهرة التهديدات وأخذ الخاوات مرضاً ينخر في عاصمة الدولة الفلسطينية ويهدد أصحاب العمل والتجار والمشغلين الذين يعتبرون بقاءهم في القدس جزءً مهماً من الصمود الفلسطيني.

مع مرور الزمن سيتوقف بعض المقدسيين عن اللجوء إلى فكرة التحكيم الوطني وسيزداد الإعتماد على إسرائيل وسلطتها لحل النزاعات في حين سيستمر الآخرون بالتعامل معهم بسبب الخوف أو بسبب عدم الثقة بأن الشرطة الإسرائيلية ستسعفهم.  وكلا الحلين مران.

إن أهلنا في القدس يصرخون بألم مطالبين بحلول شعبية وطنية فعالة لوضع حد للإبتزاز وغيرها من الأعمال الشريرة وعلى المجتمع الفلسطيني بكافة فئاته التحرك السريع وقبل فوات الآوان.

*كاتب فلسطيني

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .