أغسطس 16 2012

حرب الثقافة عند رومني

بقلم داود كتاب

أعطى المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية، ميت رومني، لنفسه الحق في إعلان حرب ثقافية في القدس الغربية. ففي جهوده لجذب المتبرعين اليهود الأثرياء للمساهمة في حملته الانتخابية، أعلن رومني أن الدول هي أحسن حالا بفضل ثقافتها، واقترح بشكل غير مباشر أن تضاف إسرائيل إلى النظرية الاستثنائية الأميركية.

قال رومني لمانحيه (مستخدماً بيانات غير صحيحة لنصيب الفرد الواحد من الناتج المحلي الإجمالي) التي تضمنت الممول اليهودي الأميركي اليميني شيلدون أديلسون (الذي قال انه سيتبرع بمبلغ 100 مليون دولار للإطاحة بالرئيس الأميركي باراك أوباما) إن الإسرائيليين متفوقون على الفلسطينيين بفضل “ثقافتهم”.  لم يكن واضحاً ما اذا كان يشير إلى الثقافة اليهودية أو، كما قال مساعدوه في وقت لاحق، إنه كان يشير الى ثقافة الرأسمالية.

رومني، الذي لم يذكر كلمة “الفلسطينيين” في خطابه، ولا زار الأراضي المحتلة خلال زيارته، لم يدرك ما يعرفه أي طالب في الصف العاشر عن السياسة الدولية وهو أن الاحتلال يمنع الفلسطينيين من تحقيق كامل لإمكانياتهم الثقافية أو غير ذلك.

ولتأكيد هذه النقطة فإن مراسل أسوشييتد برس، قد اقتبس الحقائق والأرقام حول الأثر المدمر للاحتلال الإسرائيلي على الضفة الغربية والحصار على قطاع غزة، عن مصدر موثوق به في أعين الأميركيين ألا هو دليل وكالة الإستخبارات المركزية.

بالطبع، ليست هناك حاجة بالنسبة للملايين من الفلسطينيين للإشارة إلى هذا الدليل لمعرفة سبب هذا التناقض. إن إسرائيل لا تتحكم بحركة الناس والبضائع من وإلى الأراضي المحتلة فحسب، بل تتحكم أيضاً في الهواء – إذ في حين أن الشركات الخليوية الفلسطينية تقتصر على الضفة الغربية فإن الشركات الخلوية الإسرائيلية لديها هوائيات في جميع أنحاء الضفة الغربية، وتقدم الخدمة إلى من  يشتري منها، والشركات الإسرائيلية لا تدفع أية رسوم للترخيص إلى السلطة الفلسطينية – ناهيك عن المياه الجوفية.

إن المياه المتاحة والتي تسيطر عليها إسرائيل، ربما هي أفضل دليل ملموس بأن الاحتلال، وليس أي تفوق ثقافي، هو الذي يسفر عنه اختلافاً في العادات الفردية.

يقول رئيس سلطة المياه الفلسطينية إن اسرائيل تخصص لكل مستوطن كمية من المياه بمقدار 70 مرة أكثر من المواطن الفلسطيني العادي في الضفة الغربية.  أوضح شداد عتيلي في مؤتمر صحفي عقده في رام الله، إن الفلسطينيين يحصلون على 105 ملايين متر مكعب من المياه، أي أقل من الكمية المخصصة في اتفاقات أوسلو عام 1995، وبما يعادل حوالي ربع ال 400 متر مليون متر مكعب اللازمة وفقاً للمعايير الدولية.

لا يحتاج رومني ومساعديه إلى أن يفسروا أو يبرروا سبب إهانتهم للفلسطينين.  فهي تتناسب مع هدفهم الانتخابي للتقليل من الدعم اليهودي لأوباما وتنشيط تأييد اليمين المسيحي للمرشح المورموني.

ولكن إلقاء نظرة سريعة على ردود الفعل حول تقرير الأشوسييتد برس قد يجعل مرشح الحزب الجمهوري يعيد النظر في سياساته الأحادية الجانب. فمثلا تلقى هذا التقرير الذي نشر تحت عنوان “تعليقات ميت رومني على غضب الفلسطينيين حول جمع التبرعات”ØŒ أكثر من 6500 مشاركة في الفيسبوك، وأكثر من 14ØŒ000 تعليق على الموقع الإلكتروني الشعبي الأميركي هافينغتون بوست. انتقد المعلقون ليس فقط زلات المرشح الجمهوري الكثيرة، بل تحدثوا أيضاً عما يمكن أن يحدث إذا تم تطبيق حربه حول التفوق الثقافي في قطاعات من مدن أميركية أو في بلدان أخرى من العالم.

جاء في أحد التعليقات “ماذا لو أخذنا أمثلة التي تزيل المتغيرات من مختلف الجنسيات لتكون لها أهمية فعلية أكثر بحيث تكون جيدة بقدر التجربة المختبرية تقريباً، مثل كوريا الشمالية والجنوبية أو ألمانيا الغربية والشرقية قبل سقوط السور؟  من المفترض ان الكوريين أو الألمان هم شعب واحد، ولكنهم منفصلون بسبب السياسة.  إن الإختلافات الناتجة بفعل سياسة العزلة والقمع الداخلي وعدم إمكانية الوصول إلى الثراء الغربي وموارده تظهر بوضوح للجميع ما يمكن أن تفعله بالشعب.”

ويقول آخر، “إن علاقة إسرائيل بفلسطين هي بمثابة علاقة المنتصر بالمهزوم وعلاقتها بالفلسطينيين هي علاقة شعب محاصر تحت رحمة سادتهم الذين لا يكتفون بعزله في قطاع غزة فقط، بل يريدون أيضاً أن يستعمروه”.

لم يكن غير متوقع، بالطبع، أن يشير أحدهم إلى الحقيقة بأن نصيب الفرد الواحد من الناتج المحلي الإجمالي في عدد من بلدان الشرق الأوسط هو أكبر بكثير من أولئك الذين في إسرائيل.  ويقول أحد المعلقين:  “إذاً، أعتقد أن المواطنين في الكويت وقطر هم متفوقون”.

إن وسائل الإعلام الأميركية والنقاد يتحدثون مراراً وتكراراً عن مدى رغبة رومني في منصب الرئاسة الأميركية، بحيث أنه مستعد أن يفعل أو يقول أي شيء للوصول الى البيت الابيض.  إن كل الراغبين في هذا المنصب عليهم دائماً أن يزوروا إسرائيل كجزء من حملتهم الانتخابية.  والإذعان الى دائرة انتخابية معينة لا يقتصر بالتأكيد على أي حزب سياسي.  ومع ذلك، فمن المهم دائماً أن نذكر طالبي رئاسة الولايات المتحدة أن الناس في مختلف أنحاء العالم، وبالتأكيد في إسرائيل وفلسطين، ليسوا رهائن سياسية أو موضع بيانات ذكية.

إن رومني السوبر ثري قد يرغب في بدء حربه الثقافية في الولايات المتحدة الأميركية أما في الشرق الأوسط فهناك ما يكفي من حروب وصراعات وسفك دماء من أجل أن يحتاج الشعب أيضاً إلى حرب أخرى.

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .