يونيو 20 2012

من أجل صحافة استقصائية ممنهجة

 *داود كتّاب

 احتفاء بالتحقيقات الاستقصائية المؤثرة التي كشفت تجاوزات في مراكز إيواء للأطفال المعوقين في الأردن، استقبل الملك عبد الله الثاني في الديوان الملكي إعلاميتين أردنيتين متخصصتين في الصحافة الاستقصائية.  يؤشر حدوث هذا اللقاء إلى ما تحتاجه الصحافة الاستقصائية في الأردن من أجل التقدم خطوات إلى الأمام.

 في استقبال حنان خندقجي من راديو البلد وسهى كراجة من التلفزيون الأردني، أثنى الملك عبد الله الثاني على شجاعة هاتين الصحافيتين الشابتين. ونسبت وكالة الانباء الاردنية (بترا) إلى جلالته قوله الصائب بأن الصحافة الاستقصائية أداة مهمة للمراقبة والمحاسبة.

 في وسائل الإعلام التقليدية حدثت بضعة اختراقات، ذلك رغم العدد المتزايد لمثيلاتها في القطاع الخاص من الصحف والإذاعات والقنوات التلفزيونية، فضلاً عن المواقع الإلكترونية والإعلام المجتمعي. إذن، المطلوب هو محتوى إعلامي ذو مستوى رفيع وليس منابر إعلامية إضافية، من أجل تمكين الإعلام من أداء دوره المأمول في المراقبة لتحقيق المصلحة العامة.

 خندقجي، التي نشر تحقيقها محلياً ودولياً وأدى إلى تغييرات مهمة في الأردن، سألت خلال اللقاء عن سبب تجديد عقد رئيسة المجلس الأعلى للأشخاص المعوقين بعد ثلاثة أيام على اتهام لجنة تحقيق مستقلة المجلس ووزارة التنمية بالفشل في كشف التجاوزات.  يعكس سؤالها ذلك النوع من الصحافة التي لا تخشى قول الحقيقة.

 صحافية التلفزيون الأردني اشتكت من عقبات قالت إن الحكومة تضعها أمام الصحافيين السّاعين إلى كشف الأخطاء. ملاحظتها وضعت النقاط على حروف مشكلة بارزة في المشهد الإعلامي الأردني.  فضلا عن ذلك، فإن التلفزيون الأردني، الذي يكاد أن يكون الوسيلة الإعلامية الأقوى في الأردن، يبقى صوتا للحكومة بشكل واضح. التلفزيون يموّل من الضرائب التي يدفعها المواطنون (دينار واحد يضاف كل شهر إلى فاتورة الكهرباء)، غير أنه لا يدار كخدمة عامة تعالج الاحتياجات العامة، إنما كأداة للسلطة والنفوذ الحكوميين.

 لا يمكن للإعلام في القرن الواحد والعشرين أن يستمر بذات الطريقة.  فبالإضافة إلى الاحتكار الحكومي الكامل لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون، ما زالت الحكومة تسيطر، من خلال مؤسسة الضمان الاجتماعي، على غالبية أسهم صحيفة الرأي وخمسة وثلاثين بالمئة من أسهم يومية الدستور.  يوجد في الأردن قانون للإعلام المرئي والمسموع يسمح بتملك القطاع الخاص لقنوات تلفزيونية، لكن النص، الذي أقر في 2003 كقانون مؤقت، يفرض تضييقات ويميز لصالح الإعلام الحكومي وشبه الحكومي. التلفزيون مليء بنقاط الضعف وبحاجة إلى إعادة هيكلة وتحرير.

 المؤسسات الإعلامية المستقلة فيها محددات أيضا. الصحافيون والمحررون والناشرون مجبرون على العضوية في نقابة الصحافيين. العديد من صحافيي الراديو والتلفزيون والإنترنت ليسوا ممثلين في هذه النقابة، غير أن القانون الأردني يصر على عدم اعتبار الشخص صحافيا إلا إذا كان عضوا في النقابة. لا يوجد كذلك أي اتحاد لناشري الصحف ومالكي الإذاعات والقنوات أو الفنيين التقنيين في وسائل الإعلام.

 وعلى الرغم من هذه المشكلات، لم تول النقابة اهتماما كافيا بالحقوق والحريات الإعلامية.

 محظوظ الأردن بوجود عدد من المجموعات الإعلامية التي تعمل على أراضيه. ربما أهم هذه المجموعات هي شبكة “أريج” (إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية)ØŒ الشبكة التي وفّرت الدعم التقني وجودة المحتوى لراديو البلد في التحقيق المذكور أعلاه.

 تتطلب البيئة المناسبة للصحافة الاستقصائية في أي بلد قوانين إعلام حر، لا سيما قانون حرية الحصول على المعلومات. الأردن لديه هكذا قانون، لكنه ضعيف وغير فعال. الصحافيون والأشخاص الذين يطلبون المعلومات يعودون بخفّي حنين في معظم الحالات، إذ لا يوفر القانون إلا القليل من القوة لإجبار المؤسسات العامّة على إجابة هذه الطلبات. المسؤولون نادرا ما يظهرون استعدادا للتجاوب مع طلبات بسيطة لعدد متزايد من الصحافيين الذين يطلبون المعلومات بشكل روتيني.

 المبادرة الأخيرة من جانب الملك عبد الله الثاني لدعم الصحافة والصحافيين الاستقصائيين هي خطوة في الاتجاه الصحيح. ولكن حتى تترجم هذه الخطوة إلى فعل على أرض الواقع، على الحكومة والصحافيين اتخاذ عدد من الإجراءات التشريعية والإدارية حتى يتمكن الإعلام من القيام بدوره كسلطة رابعة.

*ترجم هذا المقال عن صحيفة الجوردن تايمز الأردنية الناطقة بالانجليزية

 

 

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .