مايو 31 2012

البحث عن نموذج مثالي للديمقراطية للعالم العربي

نشرت بواسطة الساعة 12:54 م تحت فئة مقالاتي,اﻹعلام الناشط -

*بقلم داود كتاب

كان العالم العربي لسنوات طويلة يبحث عن نموذج مثالي للديمقراطية العربية. يريد شباب العرب الصاعد نموذجاً ديمقراطياً على النمط الغربي، بينما الديمقراطيون الأكبر سناً يجادلون بقولهم إنه ينبغي أن نكتشف النموذج الخاص بنا وليس أن يتم نسخ ولصق نماذج من هذا البلد أو ذاك.

وبالطبع، فإن الإسلام السياسي أربك هذا البحث.  يبدو أن الإسلاميين يريدون نموذجاً إسلامياً لا يمكن لأحد أن يفسره ولا أن يشير إلى مثال قائم له. لا يُنظر إلى إيران على أنها نموذج ناجح، وكذلك أفغانستان أيضاً. وصف البعض تركيا بأنها نموذج يحتذى به، رغم أن هذا البلد هو علماني تماماً حتى ولو كان الحزب الحالي ذات نهج إسلامي.

من المنتظر أن تقدم مصر في الأشهر والسنوات المقبلة للجميع مثالاً فريداً من نوعه. إن ثورة مصر التي أسقطت نظام مبارك الذي استمر عدة عقود قادها شباب مصريون غير أيدولوجيين أرادوا أن يشاركوا في العملية السياسية.  بدا لبعض الوقت، خصوصاً بعد الانتخابات النيابية، أن الإخوان المسلمين قد خطفوا الثورة من الشباب الذين أسقطوا النظام.  إذ كان تنظيم الإخوان المسلمين لسنوات عدة التنظيم المعارض الرئيسي، وإذ كان يعمل سراً، الأمر الذي أعطاه ميزة إضافية مقارنة مع الآخرين، خاصة وأن الثوار في ساحة التحرير كانوا غير قادرين على تحويل قوة الشارع إلى مقاعد برلمانية.  

كانت الحملة الانتخابية الرئاسية بمثابة نسمة من الهواء العليل لمستقبل الديمقراطية في مصر. في حين ان المرشحين ال 13 يمثلون تعددية فكرية وبرامجية صحية فإن المناقشات والمناظرات التي ركزت على مستقبل مصر كانت مذهلة بالمقارنة مع ما كان يجري سابقا.

بينما كانت المناقشات ومراقبة الجمهور للمرشحين مثيرة، فإن المناظرة التلفزيونية الأولى من نوعها قد أحدثت مشاركة جماهرية لم يسبق لها مثيل في مستقبل مصر رغم انها كانت فقط لشخصين تبيّن فيما بعد انهما لم يكونا الأكثر حظاً في الانتخابات.

سيطرت مسائل الاقتصاد والسياسة الخارجية بالإضافة إلى حقوق المواطن على المناقشة العامة حتى موعد الانتخابات في مصر. وتبيّن أن التصريحات التي أدلى بها المرشحون قد تم مواجهتها بالتحديات مما أجبر المرشحين إلى شرح قضايا معينة وكيفية التعامل مع مشكلة ما قد تنشأ تحت قيادتهم.

إن الانتخابات الرئاسية أجبرت المرشحين على تعديل مواقفهم المتعلقة بالقضايا المحلية والدولية بما يتناسب مع السياسات المحلية ووضع الاقتصاد متمسكين بالمصلحة العامة. وقد أظهرت النتائج الأولية ضعف آلية العمل الميداني والذي تبيّن أن جهتين وهما حزب الاخوان وبقايا الحزب الوطني فقط من يستطيع أن يستفيد منهما في بلد كبير مثل مصر.

إن الديمقراطية بالطبع لا تتمحور فقط حول موضوع الانتخابات. فإن الفصل بين السلطات واستقلال القضاء وحرية التعبير جميعها عناصر ضرورية لاتباع نهج شامل للديمقراطية بغض النظر عن نموذج الحكم الذي يختاره الناس في نهاية المطاف.   

شهدت مصر ما بعد مبارك حرية ملموسة في التعبير وفي وسائل الإعلام.  يتظاهر المصريون ويحتجون حول جميع القضايا حتى ولو كان أحياناً ضد مصلحتهم.

الصحف المصرية أصبحت قادرة على العمل دون أي تدخل وأصبحت المحطات التلفزيونية الفضائية الخاصة المصدر الرئيسي للمعلومات للجمهور المصري الذي يتوق إلى التغيير. ومن المفارقات، فإنه لم يتم إيجاد حل لمؤسسة الاذاعة والتلفزيون الحكومية وللعاملين فيها الذين يبلغ عددهم 40 ألفاً بالإضافة إلى عدم وجود إطار تنظيمي لإنشاء محطة إذاعية مستقلة أو مجتمعية.

تخضع الانتخابات الرئاسية في مصر إلى المراقبة عن كثب من الأصدقاء والأعداء على حد سواء. فإن نموذج الديمقراطية الناشئة التي سيخرج بها المصريون ستصبح على الأرجح نموذجا للعالم العربي الذي يتوق إلى إنهاء الحكم الاستبدادي الذي ترك العرب متخلفاً عن بقية العالم.  وطالما يتضمن النموذج الجديد نظم اقتسام حقيقي للسلطة ونهجاً ينطلق من القاعدة إلى القمة في حل المشكلات، فإن المستقبل سيكون بالتأكيد أجمل بكثير من الماضي.  وأية محاولات لعكس المكاسب التي حققها الشعب المصري لن يسكت عنها المصريون الذين بدأوا يتذوقون طعم الحرية والديمقراطية. إن مارد الديمقراطية قد خرج من القمقم ولن يُجبر مرة أخرى على العودة إلى الزجاجة في أي وقت قريب.   

 *كاتب فلسطيني

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .