أبريل 12 2011

غولدستون والموقف المتقلب

بقلم داود كتاب

كلما حدث أي شيء في العالم يطرح اليهود والإسرائيليون السؤال: هل هذا الأمر جيد لليهود؟ ولكن عندما يتم تعيين يهودي من جنوب أفريقيا على لجنة حقوق الإنسان وهو يصر أيضا بأنه صهيوني، فإن الجواب اليهودي الإسرائيلي يكون: لا.. وبقوة.

من الواضح أن الاغتيال المعتاد للشخصيات السياسية والدوامة المرتبطة به والذي يهدف إلى إلغاء شرعية أي شخص يُطلب منه التحقيق في جرائم الحرب التي تشنها إسرائيل تجعل مهمته أكثر صعوبة إذا كان هذا الشخص قاضياً يهودياً.

وللتأكد من ذلك، فإن إسرائيل رفضت الاجتماع مع غولدستون ولجنته، وعندما أصدروا تقريرا يستند جزء منه على ما رأوه في غزة، فإن آلة العلاقات العامة الإسرائيلية تحركت، ولكن يبدو أن هنالك آلة قوية أكثر فعالية قد بدأت العمل على نحو مماثل، هذه المرة باستخدام شبكة العلاقات الاجتماعية والدينية الواسعة للسكان اليهود في جميع أنحاء العالم للضغط المباشر المستمر والحثيث على غولدستون.

إن التغير المفاجئ غير المتوقع لموقفه فاجأ الكثيرين، بما في ذلك آلة العلاقات العامة الإسرائيلية والشبكة العالمية اليهودية. ومع ذلك فإن تقرير اللجنة التي يرأسها غولدستون قد تم تسليمه إلى الأمم المتحدة ولم يعد بالتالي في الإمكان أن يصل إليه هو أو أي شخص آخر في لجنته.

كما كان أمرا غير عادي، مخيفاً نوعا ما، رؤية قاضٍ يحظى بهذا القدر من الاحترام، ملماً بأساسيات العملية القضائية يكتب مقالاً موجهاً يشمل مطالب لم يشاركها مع زملائه في اللجنة والتي من الواضح أنه لم يتم تداولها ومناقشتها من كل الجوانب.

فمن النادر جدا أن يتراجع قاض عن قرار أو حكم ما حتى ولو لم يكن ذلك إجراء قضائياً بكل معنى الكلمة، فالاعتراف بالخطأ باستخدام تقرير موجه بعد تسليم تقرير اللجنة هو أمر غير عادي للغاية، وهنا يبدو الأمر مخيفاً.

إن الاضطهاد الاجتماعي للقاضي غولدستون استمر علانية لأشهر وعلى نطاق واسع، وقد تباهى رئيس الاتحاد الصهيوني في جنوب أفريقيا افرام كرينغل ØŒ أمام الصحفي افيل مغنزي من  يديعوت احرونوت كيف أن المجتمع اليهودي قد تمكن من ممارسة الضغط على غولدستون إذ قال: “لقد عانى غولدستون كثيراً، ولا سيما في المدينة التي نشأ فيها. وقفنا ضده، وإنه لمن المشجع أن نعرف أن أسلوبنا كان له تأثير.”

غولدستون الذي كان قد ُحرم في البداية من حق حضور احتفال اﻷرثوذكسية اليهودية الذي أٌقيم لحفيده سُمح له في نهاية المطاف بالحضور. ووفقا لكرنغل، لم يكن وصوله ممكناً إلا بعد أن وافق غولدستون على الاجتماع مع قادة الاتحاد الصهيوني في جنوب أفريقيا وفقا لصحيفة يديعوت احرونوت.

وما هو مخيف هو عدم وجود معلومات عن العديد من الشخصيات اليهودية اﻷخرى التي تحتل موقعاً حساساً في ما يخص الصراع في الشرق الأوسط، فصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية الرائدة اختارت ولسنوات عدة عدم إرسال صحفيين من اليهود إلى مكتبها في إسرائيل. ولكن ما إن تم رفع هذه القيود التي فرضتها الصحيفة على نفسها، حتى أن كل صحفي تقريبا ورئيس مكتبها في إسرائيل كان يهودياً، وبعضهم كان صهيونيا، ورئيس المكتب الحالي، ايثان برونر، متزوج من امرأة إسرائيلية وابنهما الإسرائيلي يخدم في الجيش الإسرائيلي. وأوصى محرر القراء في النيويورك تايمز علنا ​​بأن يتم نقل برونر إلى أي مكان آخر ومنحه “منصباً مرموقاً” إلا أن رئيس التحرير التنفيذي، وهو أيضا يهودي، رفض هذا الطلب.

ينطبق هذا الوضع نفسه على العمل الدبلوماسي. فقد كانت الولايات المتحدة ولفترة طويلة مترددة في إرسال دبلوماسيين أميركيين يهود إلى الشرق الأوسط خاصة إلى إسرائيل. هذا ما حدث لبعض الوقت: خدم “دان كيرتزر” بشرف في مصر وإسرائيل؛ تم تعيين “دان شابيرو” لتوه سفيرا جديدا في تل أبيب Ùˆ”دانيال روبنشتاين” قنصلاً للولايات المتحدة في القدس، وهو يهودي أيضا، ويقال أن لديه أقارباً في إسرائيل.

وهذا لا يعني أن اليهود الأميركيين لا يستطيعون أو لا يخدمون بشرف مثل الصحفيين المحايدين غير المنحازين أو الدبلوماسيين، ولكن ما تم توثيقه عن الضغوط التي وُضعت على غولدستون لا يبشر بالخير بالنسبة للآخرين ممن يتبعون الدين اليهودي ويعتنقون سراً أو علناً الصهيونية.

إذا تم تعيين فلسطيني أو عربي أو مسلم في أية لجنة دبلوماسية أو إعلامية أو تابعة لحقوق الإنسان للتحقيق في إسرائيل أو فلسطين، فإن الإسرائيليين سوف يصرخون. وحين يتم تعيين رجل صهيوني يهودي يحمل وجهات نظر لا تحبها إسرائيل، فإن عملية الضغط والنبذ تبدأ في جميع أنحاء العالم.

لا أعتقد أن اليهود يحكمون العالم ولست معادياً للسامية. لكن نص تقرير لجنة القاضي غولدستون والضغوط التي وضعت عليه، واستسلامه المهين، بالإضافة إلى شماتة القادة الإسرائيليين المبالغ فيها سوف بالتأكيد تزيد من معاداة السامية بدلاً من الحد منها، وسيجعل من الصعب تجنب التساؤل عما إذا كان بالإمكان في المستقبل أن يتجنب يهود آخرون التعرض إلى التشكك في ولائهم المزدوج والمتحيز عندما يخدمون في أي مركز تكون له تأثيرات محتملة على إسرائيل.

في النهاية، قد يخلص أحدنا إلى القول إن المقال الموجه الذي صاغه غولدستون ليس على الأرجح في التحليل النهائي “جيداً لليهود”.

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .