نوفمبر 06 2015

غياب التخطيط

نشرت بواسطة الساعة 3:20 م تحت فئة مقالاتي,اﻷردن -

زاوية تكوين/عن موقع عمان نت

بقلم داود كُتّاب *

قرر رئيس الوزراء عبد الله النسور، في السابع من تشرين أول الماضي، تعطيل الوزارات والدوائر الرسمية والمؤسسات والهيئات العامة يوم الخميس الواقع في الخامس عشر من الشهر نفسه، احتفاء بحلول رأس السنة الهجرية التي كانت تصادف الأربعاء، اليوم الذي يسبقه. ما يثير الاستغراب في القرار المذكور، نقلاً عن وكالة “بترا” الرسمية، هو التوقيت وتحديداً قرب تاريخ إصدار القرار من موعد المناسبة.

لاشكّ أن الحكومة تمتلك الحق بأن تقرر متى تشاء تعطيل المؤسسات الرسمية، ولاشك أن تحويل يوم الإجازة من وسط الأسبوع إلى نهايته من شأنه أن يشجع السياحة الداخلية، ويوفر للعائلة الأردنية فرصة لعطلة تمتد يوماً إضافياً، لكن المشكلة في توقيت الإعلان عن الأجازة، والذي يعكس غياب التخطيط، لأن قرارات الحكومة ليست محصورة بالمؤسسات الحكومية، بل تنطبق على الجامعات والمدارس والبنوك وغيرهم من المؤسسات الخاصة والعامة.

إحدى المدارس الخاصة المرموقة رفضت الانصياع إلى تعميم الحكومة، وقامت بتعطيل الدراسة يوم الثلاثاء (وهو اليوم المعلن مسبقاً أنه رأس السنة الهجرية)، ليس لقلة احترام لقرار رئيس الوزراء أو المناسبات الدينية، إنما لأنها كانت قد أقرّت منذ أول العام العطل المدرسية كافةً، بناء على رزنامة الأعياد المعروفة، ولو كان التعميم قد صدر بداية السنة لكان من السهولة أن ترتب إدارة المدرسة شؤونها، لا أن يصدر القرار بتغيير تاريخ الاحتفال بمناسبة معينة قبل أسبوع فقط، وهو ما يلقي بأعباء وصعوبات على مؤسسة تعتمد التخطيط والتنظيم في عملها.

مشكلتنا في التخطيط غير محصورة بتاريخ الاحتفال بمناسبة معينة، فلا زلنا نذكر العشوائية في اتخاذ الحكومة قراراها بإلغاء التوقيت الشتوي قبل عامين، وهو ما سبب مشاكل لشركات الطيران والاتصالات والخلويات، إضافة إلى مشاكل عانى المواطنون منها، واعتبر البعض أن الخلل الناتج عن إلغاء التوقيت قد أدى إلى جريمة قتل شهيرة، وما أن وقعت جرت العودة الى التوقيت الشتوي.

غياب التخطيط كان له حصة الأسد في المشاكل التي واجهت عمّان، الخميس، حين هطلت كميات كبيرة من الأمطار لفترة قصيرة جداً، مما سبّب مشاكل وأوقع قتلى كان ممكن تجنب بعضها لو كان هناك تخطيط في البنية التحتية للعاصمة، إذ اتضح أنها غير مؤهلة لاستيعاب مطر غزير.

قد يرى البعض أن تغيرات مناخية خارجة عن إرادة البشر أدت إلى ما حصل، لكن الدولة بمؤسساتها كافةً لديها إمكانيات كبيرة لتخفيف بعض ظواهر الطبيعة المتقلبة، لو كان هناك تخطيط متعلق بالمواصلات العامة، حيث شكّل غياب إستراتيجية فعالة في هذا القطاع الحيزية إلى زيادة مفرطة من السيارات وزاد من مشاكل دوائر السير والأمن العام.

يشمل التخطيط، أيضاً، التحضير الجدي للمواسم المختلفة، فقد سئم الجمهور التصريحات البروتوكولية في كل خريف أن الأمانة وأجهزة الدولة مستعدة لفصل الشتاء ونفاجئ أنها غير جاهزة، والسبب غياب التخطيط والتجهيز الحقيقي.

سأل مواطن، يوم الخميس، وزير شؤون الإعلام محمد المومني، ضمن استضافة له على راديو البلد، عن فائدة التعداد العام لسكّان الأردن الذي سينطلق قريباً، علما بأن التعدادات السابقة لم يتم الاستفادة منها في التخطيط والتنظيم للدولة الأردنية.

من بدهيات الدولة العصرية وجود مؤسسات بحثية في جميع المجالات، لتقوم بإعداد دراسات معمقة، بشكل دائم، توفر لصانع القرار المعلومة الصحيحة وتساعده على التخطيط السليم. فهل لدى الدولة مثل تلك المؤسسات البحثية؟ وهل تقوم الدولة بالاستفادة منها أو من أي دراسات أخرى يوفرها القطاع الخاص؟ أم يتم إصدار قرارات ارتجالية وفق معلومات مجزوءة، أحياناً، وبحسب مزاج المسؤول أحيانا أخرى. لا تنحصر المشكلة في توقيت الاحتفال بالأعياد، إنما تكمن في السياسة التي تعتمد الارتجال بدلاً من التخطيط السليم والدراسة المتأنية والتنبؤ العلمي المعد له منذ أشهر وسنوات، لا في آخر لحظة.

 

* داود كتّاب: مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي. أسس العديد من المحطات التلفزيونية والإذاعية في فلسطين والأردن والعالم العربي.

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .