سبتمبر 25 2015

“استفزازات” الاحتلال في الأقصى

نشرت بواسطة الساعة 3:42 م تحت فئة مقالاتي,اﻷردن -

زاوية تكوين/موقع عمان نت

بقلم داود كُتّاب *

بلا تضخيم أو تقليل لما يجري في الحرم القدسي الشريف يجب أن نفكر على نحو هادئ وإستراتيجي لمعالجة ما سماها الملك بـ”الاستفزازات” الإسرائيلية، وهو يشير إلى مخالفاتٍ واضحةٍ لتفاهمات جرت مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بحضور وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أواخر السنة الماضية.

 

عاد السفير الاردني إلى تل أبيب، في آذار الماضي، بعد التزام “إسرائيل” بتفاهمات تركزت على ثلاث نقاط أساسية: عدم تقييد الحضور الإسلامي للمسجد الأقصى أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، وإبقاء المجموعات الزائرة من خلال باب المغاربة (التي يسيطر عليه الجنود الإسرائيليين لوحدهم) لأقل عدد ممكن، وقد اقترح الجانب الأردني ما بين 5 و15 شخص كأقصى حد، وعدم السماح لشخصيات سياسية (نواب كنيست أو وزراء) أو شخصيات متطرفة بالمشاركة في الزيارات.

 

في التحضيرات لعيد رأس السنة اليهودية، بدا واضحاً أن الجانب الإسرائيلي يخطط لمخالفة تلك التفاهمات. فإعلان المرابطين والمرابطات جمعيات إرهابية، ومنع النساء من دخول الحرم قبل الساعة الحادية عشر صباحاً، وتقييد حضور الرجال فقط بمن هم في الأربعين فما فوق، وكلها كانت مؤشرات أن الاحتلال يخالف التفاهمات آنفة الذكر.

 

وجاءت توقعات المقدسيين في مكانها، حيث أدخلت قوات الأمن الإسرائيلية أعداداً كبيرة من اليهود المتطرفين دفعة واحدة كان بينهم وزير الزراعة المتطرف أوري أريل، ما فجّر احتجاجات عنيفة ضده.

 

سعت الأطراف إلى أن ضرورة احترام أي دخول الحرم الشريف لمبادئ الزيارة، ولا يشكل إعلان يهودية المكان من خلال صلاة اليهود أو مشاركة أشخاص ذوي أجندة واضحة تهدف الى تملك جزء من المسجد الأقصى لصالح اليهود.

 

تواجد المقدسيين وتحديهم، كما البيانات الصادرة عن عمان ورام الله والقاهرة (الجامعة العربية) ونيويورك (الأمم المتحدة)، ساعد في إظهار خطورة الأمر، لكنها لم تكن كافية.

 

للرد على تلك الاستفزازات، التي قد تسبب بنشوب حرب دينية تضاف إلى الصراع السياسي، هناك حاجة ماسة إلى توحيد الجهود بصورة عملية ومؤثرة، بعيداً عن الشعارات والدعم اللفظي الذي طالما سئمه الشعب الفلسطيني، ولا ينحصر الرد بنشطاء التيارات الإسلامية بل يجب أن يكون مسؤولية الجميع من سكان القدس إلى كل سكّان العالم.

 

دور أهلنا في القدس يجب أن ينال أهمية قصوى، وأن تتوسع عملية الاحتجاج لكي تشمل جميع المرافق الحياتية في القدس، خاصة تلك المتعلقة بالطرف الآخر، وقد يتمكن أهلنا في القدس من شل الحياة في ضواحي القدس كافةً، لو كان هناك وحدة حال وقيادة موحدة ومتفق عليها وصاحبة قرار.

 

للأسف؛ لا آمال منعقدة على قيادة مقدسية موحدة، حيث يسيطر في أيامنا هذه بلطجية وعصابات ليس لديها اي انتماء غير زيادة نفوذها المحلي المرتبط بمن ينتزع خاوة أكبر، ومن هي العصابة الأكثر قوة. لقد سمحنا (عن قصد أو غير قصد) بتشردم القيادة بسبب تعدد المرجعيات وغياب آلية ناجعة لاختيار وتطوير قيادة وطنية ملتزمة يلتف حولها سكان القدس.

 

نجحت إستراتيجية “إسرائيل” بفصل القدس من خلال حائط الفصل عن محيطها الطبيعي مع بقية الضفة الغربية، ومنع التواصل مع القيادة الفلسطينية الشرعية في رام الله، لكن عملية الفصل نتج عنها رد فعل عشوائي منح دوراً كبيراً لبعض الأطراف، بينما أصبح السواد الاعظم من سكان القدس يتامى سياسيين.

 

المقدسيون، الذين يزيد عددهم عن 350 ألف مواطن، بحاجة ماسة إلى آلية لجمع الشمل وخلق قيادة موحدة يمكن الاعتماد عليها في إدارة صراع من الواضح أنه سيطول ويطول. الأردن والقيادة الفلسطينية والحركات الإسلامية والوطنية، إضافة إلى رجال الدين المسلمين والمسيحيين، وهم مطالبون اليوم أكثر من أي وقت مضى بتوحيد جهودهم لخلق قيادة موحدة بعيداً عن تعددية المراجع.

 

ما يستطيع ان يقوم به المقدسيون الموحدون أكبر بكثير من مواجهات محدودة في منطقة الحرم مع أهميتها، من أجل منع كل محاولات التهويد والسيطرة. تخيل لو قامت الكنائس بإغلاق أبواب كنيسة القيامة أو كنائس أخرى أمام مئات السيّاح ليوم واحد، علما بأن الكنيسة تشارك بمظاهرات أسبوعية في بيت جالا احتجاجاً على مصادرة أراضي المدينة لبناء الجدار سيئ الصيت.

 

تتمتع القدس بموقع ممتاز يؤهلها لانطلاق الكفاح الشعبي غير العنيف، الذي طالما نادت به القيادات الوطنية والإسلامية، لكنه بقي كلاماً بلا أفعال، لأنه يتطلب جهداً وصبراً وانضباطاً أكثر بكثير من عمليات رمي الحجارة والمواجهات العنيفة قصيرة المدة، التي يتم التصدي لها بعنف. طبعا لا يوجد ضمان أن لا تحاول “إسرائيل” التصدي للنضال غير العنيف في القدس، لكنه سيكون أكثر صعوبة لها وأكثر ضرراً سياسياً بمصالحها.

 

تقع المسؤولية السياسية على عاتق القيادات الأردنية والفلسطينية والمحلية في القدس، وتتطلب توحداً سريعاً بوضع إستراتيجية عملية وفعالة تتضمن آلية لاختيار قيادة قوية وصادقة تمثل أمنيات المقدسيين بوقف “الاستفزازات” الإسرائيلية، وعمليات تهويد غير متوقفة منذ حزيران 1967.

* داود كتّاب: مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي. أسس العديد من المحطات التلفزيونية والإذاعية في فلسطين والأردن والعالم العربي.

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .