يوليو 28 2015

الآخر وتحمّل المسؤولية

نشرت بواسطة الساعة 12:45 م تحت فئة قضايا عربية,مقالاتي -

موقع عمان نت

بقلم داود كُتّاب

“الخطأ، يا عزيزي بروتوس، ليس في نجومنا بل في ذواتنا”، هذا ما قاله كاسيوس في مسرحية “يوليوس قيصر”. يمكن استبدال كلمة نجومنا بالعديد من الكلمات، مثل “الخطأ يا عزيزي ليس في الاستعمار أو الاحتلال  أو أميركا أو “إسرائيل” أو قطر أو تركيا أو … الخطأ يا عزيزي فينا”.

كل مرة تحاول أن تناقش الأسباب أو الظروف، التي أدت إلى وضعنا المزري تسمع الأسطوانة المشروحة نفسها، التي تتهرب من تحمل المسؤولية من خلال وضع اللوم على الآخر بدلاً من الاعتراف بأخطائنا.

لا يعني ذلك أن الأطراف الإقليمية والدولية ليست لها أجندات مخالفة لطموحاتنا، أو حتى أنها تعمل على تعطيل مشروعنا الوطني، لكن الخطأ الكبير يكمن في السماح لها أن تتغوّل على حسابنا، وفي إعطائها فرصة للنمو والتخريب، وأن نتحول لأدوات طوعية تعمل على تدمير بلداننا. هل يعني هذا أن كل شيء يأتي من الغرب مشكوك فيه، وله أجندة معارضة لطموحاتنا؟ الإجابة هي بالطبع لا.

فاجأني –على نحو إيجابي- المفكر عزمي بشارة، مؤخراً، في مقالٍ وضع فيه كثير من اللوم على أوضاعنا الحالية بسبب مشكلة الشخصنة والذاتية، إذ يقول على صفحته في الفيسبوك تحت عنوان “أحيانا يكون الصراع أبسط مما يبدو”:

“قد تعلمت من البحث المعمق في تاريخ العرب السياسي أنه ثمة أمور لا يمكن إرجاعها إلى صراع طبقي أو أيديولوجي أو سياسي، بل إلى صراع شخصي، وما يقوم عليه هذا الصراع من عطوب أخلاقية وتبلّد في القيم وانعدام المسؤولية الإجتماعية، وكلها تبرر أية وسيلة في خدمة الهدف الشخصي وتلبية الطموحات وحتى النزوات الذاتية”.

يمكن أن نقترب من التشخيص المفيد بعدم لوم الآخرين، وتحميلهم مسؤولية مشاكلنا، وعدم تقديم الذات على المصلحة العامة، التي تهم المجموع، وامتلاك القدرة والجرأة على نقد الذات، في الوقت نفسه، والاعتراف بالخطأ حين يحدث، والأهم تصحيح الخطأ، ومنع إعادته مرة ومرات.

تحمّل المسؤولية الشخصية والجماعية أمر في غاية الأهمية، ويشكّل أولوية إذا كان لشعوبنا رغبة في الخروج من أزماتنا المتراكمة، والنهوض لتحقيق أهدافنا الوطنية المتمثلة بالاستقلال والحرية والرفاهية، وغيرها من الأهداف النبيلة.

كيف يمكن لمن يقبل بتحمل المسؤولية الشخصية أن يحوّل تلك العملية الجريئة التي تتضمن قدراً من التضحية، إلى ظاهرة تشكل نبراساً ومنارةً يسير عليها الآخرون من دون أن يتحوّل إلى شخص يعتقد أنه يعرف، وحده، كل ما هو مطلوب للوصول إلى بر الأمان.

يتطلب من القائد الحقيقي، أحياناً، نسبة عالية من التواضع ليقبل الإستماع لآراء الآخرين رغم علمه المسبق والصحيح أن آراءهم خاطئة ومضيعة للوقت. السير في العملية الديمقراطية والمشاركة الحقيقية للجميع قد تكون أكثر أهمية من النتيجة الأولية.

إذا قبلنا مقولة كاسيوس في مسرحية يوليوس قيصر أن أخطاءنا ليس في نجومنا (أو في المؤامرات التي تحاك علينا)، إنما في ذواتنا، فمن الطبيعي أن تشكل تلك القناعة عملية نقد ذاتي عميقة وشاملة توقف تعليق مشاكلنا، كافةً، على شماعة الآخرين عبر تحمّل مسؤوليتها.

 

داود كُتّاب: مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي. أسس العديد من المحطات التلفزيونية والإذاعية في فلسطين والأردن والعالم العربي.

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .