أكتوبر 07 2013

نتنياهو يهاجم إيران ليتجنب استحقاقات القضية الفلسطينية

* بقلم داود كتّاب

تجنب القضايا الصعبة والتركيز على الأسهل هو تكتيك معروف جيداً.

يبدو أن هذا كان ولا زال تكتيكاً لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن يتجنب القضية الفلسطينية الإسرائيلية بينما يركز تركيزاً كاملاً تقريباً على إيران ورئيسها المنتخب حديثاً.

يظهر هذا الهاجس بإيران ورئيسها حسن روحاني جلياً من خلال تحليل خطاب نتنياهو في الجمعية العامة للأمم المتحدة،. في خطابه الذي احتوى على 3131 كلمة ذكر نتنياهو كلمة إيران والإيرانيين 70 مرة، في حين ذكر كلمة يهودي واليهود 15 مرات فقط.

من ناحية أخرى، استخدم نتنياهو كلمة روحاني 24 مرة، بينما استخدم كلمة إسرائيل 22 مرة فقط. وظهرت كلمة “أمن” في خطاب نتنياهو ثماني مرات، بينما تمت الإشارة إلى كلمة “سلام” أربع مرات فقط.

في العام الماضي تمادى أيضاً رئيس وزراء إسرائيل في الخطاب المتشدد ضد إيران عندما رسم الخط الأحمر على صورة كاريكاتورية لقنبلة، مما ترك المجال واسعاً لرسامي الكاريكاتير وأصحاب التعليقات الساخرة للخوض فيه.

في حين تحاول الولايات المتحدة وبقية العالم إعطاء الرئيس الإيراني المنتخب حديثاً فرصة، فإنه يبدو أن رئيس إسرائيل يصعّد لهجته الخطابية أكثر مما كانت عليه عندما كان محمود أحمدي نجاد المتشدد رئيساً لإيران.

تحليل مقارنة عدد الكلمات يجعل هذه النقطة واضحة جداً. في  الامم المتحدة وفي عام 2012، استخدم نتنياهو كلمة إيران أو الإيرانيين 52 مرة بالمقارنة مع ال 70 مرة لهذا العام، وكلمة السلام 11 مرة في العام الماضي مقابل اربع مرات فقط هذا العام.

المشكلة، إذاً، هي المصداقية. حجة نتنياهو تكمن بأنه لا يوجد فرق جوهري بين الزعيمين الإيرانيين. واحد هو ذئب في ثياب ذئاب، في إشارة إلى أحمدي نجاد، والآخر، روحاني هو ذئب في ثياب حملان.

ما ينساه المسؤول الإسرائيلي هو أن الموضوع متعلق بمصداقيته هو، أكثر من مصداقية روحاني، فكثيراً ما يرتد الإستنفار الكاذب على المدعي. فضلاً عن أن الرأي العام العالمي يشكك في الأدلة الواهية التي يتم طرحها من هنا وهناك في الأمم المتحدة.

خلال العشر سنوات منذ حرب أميركا المضللة في العراق، فإن إحدى الصور الأكثر إيلاماً في ذاكرة العالم هي الصورة لوزير الخارجية الأميركي الوقور، كولن باول، محاولاً توضيح ادعائه – والذي ثبت الآن خطأه- بأن صدام حسين يمتلك أسلحة الدمار الشامل.

بينما تصر إيران أن برنامجها النووي هو لأغراض سلمية فإن امتلاك إسرائيل ترسانة من الرؤوس النووية كما هو معروف عنها ورفضها، على عكس إيران، الإنضمام إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية يجعلها من الصعب أن تنتقد ايران.

حتى ولو استطاع رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يقنع البعض بوجهة نظره بأن إيران في الواقع تحاول تطوير قنبلة نووية، فانه سوف يكون صعباً عليه إثبات أن هذه القنبلة تشكل تهديداً لدولة إسرائيل.

إن المطالب العربية والدولية بأن تكون منطقة الشرق الأوسط بأكملها منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل قد خطت في الواقع خطوة كبيرة إلى الأمام في الآونة الأخيرة، عندما وافق السوريون التخلص من جميع الأسلحة الكيميائية.

كانت حجة إسرائيل في السابق أن إيران هي دولة مارقة وأن هدفها الرئيسي هو تدمير إسرائيل. هذه الحجة كانت أسهل بسبب الخطابات العاصفة لقادة إيران السابقين.

أما الآن فإن إسرائيل والمدافعين عنها حرموا من هذا السلاح، الأمر الذي يجعلهم يصرون على استخدام التشبيه بالذئب في ثياب حملان على الرغم من أن الولايات المتحدة وزعماء غربيين آخرين يتحدثون الآن مع الإيرانيين.

لطالما جادل أصحاب الأمن الاستراتيجي أن إسرائيل لا تستطيع شن هجوم فعال على إيران من تلقاء نفسها. فإن دوراً أميركياً ناشطاً هو مطلب لأية مغامرة عسكرية محتملة ضد إيران. ومع ذلك، فإن هذا السيناريو، قد انحسر بعد أن أظهر البيت الأبيض تردداً واضحاً في التدخل عسكرياً في سوريا.

لذا، إذا كانت مصداقية نتنياهو على المحك، وإذا كانت الولايات المتحدة وغيرها من الحلفاء الغربيين على استعداد لإعطاء مطالب روحاني السلمية فرصة لإثباتها، ما هو إذاً الغرض من الهجمات الإسرائيلية المستمرة ضد إيران؟

إن نظرة سريعة على سجل نتنياهو، منذ أن كان سفيراً لإسرائيل لدى الأمم المتحدة، تظهر ميلاً للمبالغة في القضايا الإقليمية للحفاظ على الرأي العام العالمي بعيداً عن قضية واحدة ترفض إسرائيل التزحزح عنها ألا وهي قضية فلسطين.

ومن المفارقات، إحدى الحجج الرئيسية المنتشرة في إسرائيل هي أن إيران تخطط لإضاعة الوقت في المفاوضات بينما تطور قدراتها العسكرية النووية.  قليلون في إسرائيل ممن هم على استعداد للنظر في المرآة ليروا كيف استخدمت إسرائيل منذ مؤتمر مدريد واتفاقات أوسلو هذا التكتيك تماماً لتضييع الوقت من أجل توسيع المستوطنات اليهودية غير الشرعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة بينما تقدم مفاوضات رمزية مسدودة.

قبل مغادرته للأمم المتحدة، وعد نتنياهو أن يقول الحقيقة في هذا المنتدى. ما رأيناه كان خطاباً آخر تهرب من سياسات الإسرائيلية الاستعمارية، وركز على ما سرعان سيصبح حجة باطلة في الأوساط العالمية.

* الكاتب صحفي فلسطيني مقيم في عمان والقدس

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .