مارس 15 2010

خطأ اللقاءات المغلقة في السفارة الأمريكية

نشرت بواسطة الساعة 8:31 ص تحت فئة أميركا والشرق اﻷوسط -

بقلم داود كتاب

لقد زرت السفارة الأمريكية أكثر من مرة وشاركت في أكتر من اجتماع مع مسئولين أمريكان وضيوف على السفارة من كبار المسئولين كان من بينهم ممثل البيت الأبيض الخاص بالعالم الإسلامي رشاد حسين، والسناتور الأمريكي جون كيري.

وقد شارك في الاجتماع العديد من شخصيات الأردن الرسميين وغير الرسميين، وأذكر لقائي مع ممثل أوباما للعالم الإسلامي كيف فوجئ بحجم الغضب و وحدة الموقف لكافة المشاركين المدعوين للسفارة خاصة يتعلق بما تقوم به إسرائيل في الأراضي المحتلة، وشعور المشاركين بأن إدارة أوباما قد تخلت عن تعهداتها وأقوالها في الأيام الأولي لتوليها زمام السلطة في واشنطن.

قد تعد لقاءات مواطنين أو مسئولين لضيوف السفارة الأمريكية أمرا روتينيا لا مشكلة فيه مبدئيا، إلا أن اللقاء الأخير الذي عقد في السفارة مع نائب الرئيس الأمريكي جو بايدين خلق مشكلة حقيقية بسبب طريقة ترتيب اللقاء والمواضيع التي يقال أنه تم تداولها، وما سمي أنه الاتفاق الضمني للحضور مع السفارة بعدم الكشف عن أسماء الحضور وتفاصيل وقائع اللقاء.

إن هذا الأمر الأخير قد يكون أسوأ ما حدث لأنه سمح بخلق انطباع وكأن اللقاء كان تآمريا يتحايل على رغبة الأكثرية وعلى رغبة القوى الفاعلة الأردنية، وفي رأيي المتواضع، كان من الأفضل عدم عقد اللقاء من أن يعقد ويتم التحفظ عليه، فالشفافية والمحاسبة هي من العناصر الأساسية والمهمة في خلق نظام ديمقراطي فاعل ومتجاوب مع مطالب المجتمع المدني.

ورغم معرفة الجميع بأن حكومة أوباما جاءت نقيضا لكل شيء كانت إدارة بوش وشيني والمحافظين الجدد تؤمن به، إلا أن الشكوك في رغبة واشنطن بالتدخل في الشؤون الداخلية لدول الشرق الأوسط لا تزال تشغل وبحق القوى الوطنية الفاعلة في الأردن وباقي الدول العربية والإسلامية.

لا شك في أن قوى المعارضة المطالبة بإلحاح بالمزيد من الحريات الشخصية والعامة تشعر بالإحراج من التعاون مع واشنطن بسبب مواقف الأخيرة من قضايا العرب المركزية وأهمها القضية الفلسطينية. ورغم ارتياح الشارع العربي لكلمات الإدانة الأخيرة الصادرة عن المسؤولين الأمريكيين بما فيهم بايدين وكلينتون، إلا أن المواطن العربي لم يعد يهتم بالأقوال في الوقت الذي يرى على الأرض الفلسطينية عربدة وإساءة لحقوق الإنسان الفلسطيني ممثلة بسياسة الاحتلال الكولوني وفرض الوقائع دون أي رادع أو محاسب.

إن قدرة المسؤولين الأمريكيين على إيجاد شريك حقيقي لهم في المجتمعات المدنية العربية مرتبط ارتباطا مباشر بالتزامها الحقيقي (وليس فقط اللفظي) بكافة الحريات ولكافة الشعوب بغض النظر عن مصالحها الضيقة. لقد خلق اللقاء الأخير مشاكل عديدة لقوى المجتمع المدني التي تحاول أن تحافظ على حيادية بين المطالبة بالحريات الأساسية وبين التعاون مع أية جهة تلتقي معها في هذا التوجه، بمجرد إصدار السفارة بيانا صحفيا مقتضبا يقر باللقاء دون إعلان عن أسماء المشاركين وأهم نتائج اللقاء.

ومن المعلوم في عالم السياسة والإعلام أن الإفصاح القليل لمعلومة معينه دون إعطاء فرصة لتداولها ومتابعتها مع أصحاب الشأن يخلق شائعات أسوأ بكثير في مضمونها من التفاصيل الحقيقية للقاء ذاته.

فقد يذهب البعض إلى التخوف من أن مثل تلك اللقاءات المغلقة والمكتومة قد تناقش مطالب إسرائيلية في موضوع التوطين للفلسطينيين في الأردن من خلال إسناد حقوق سياسية للاجئين الفلسطينيين والذي يعتبرها البعض تدخلا سافرا في المعادلة الديمغرافية الدقيقة في الأردن و لكن لا يوجد أي دليل على ذلك. ومن غير الواضح من كان معارضا لعلنية تفاصيل اللقاء، هل كانت السفارة أم المشاركين، ولو كنت أنا من بين المشاركين لما قبلت أن يكون مثل هذا التكتم لأنه يخلق الشائعات التي قد يكون أسوأها أن هناك مؤامرة تتم حياكتها خلف الكواليس وخلف أسوار السفارة الأمريكية.

قد يكون سبب الكتمان محاولة من قبل الجهات الرسمية الأمريكية الابتعاد عن موضوع الحديث العلني عن الديمقراطية في عالمنا العربي بسبب غضب الشارع العربي على محاولات واشنطن في الإدارة السابقة فرض الديمقراطية رغم أنف العرب، ولكن رد الفعل جلب النتيجة العكسية لأن سرية اللقاء تم تفسيرها بأمر يختلف عن ذلك ودخلت قي إطار مناف أصلا لمبدأ الديمقراطية من شفافية ومشاركة المواطنين بكافة أطيافهم بأمور مفصلية مثل الانتخابات.

الأمر الآخر الملفت في مشكلة الكتمان هو مشكلة تضارب المصالح بين أفراد ومؤسسات مستفيدة من منح الحكومة الأمريكية وبين قدرة تلك الجهات على التعامل بحيادية وشفافية مع من قد يعتقد البعض أنها الجهة المانحة.

ورغم أن هناك من يستطيع أن يؤكد أن حصولها للتمويل لعملها في مجال الترويج للحريات والديمقراطية لا يؤثر على حياديتها في التعامل مع كيفية ومضمون صياغة قانون مثل قانون الانتخابات، إلا أنه من الصعب إنكار إمكانية حصول مظهر من مظاهر تضارب المصالح.

فقد يقول قائل إن متلقي المنح لن يكون له الجرأة في مواجهة الممول في أمر لا يرتاح له، والكثير من أصحاب هذه الأقوال لا يعرف مثلا أن القانون الأمريكي يمنع حتى الجهات الرسمية الداعمة لبرنامج إعلامي التدخل في مضمون عمل ذلك الإعلام انسجاما مع التعديل الأول في الدستور الأمريكي.

ولكن يبقى الأمر صعبا لقبوله للعديد من القوى الأردنية التي تشك أصلا في نوايا الجهات الخارجية، لا سيما قوى عظمى لها مصالح واضحة في المنطقة. لقاء بعض قوى المجتمع المدني مع نائب الرئيس الأمريكي أمر طبيعي بل مرحب به إذا ما كنا ننظر بحيادية وبعيدا عن العواطف والتوجهات المسبقة المبنية على التخوفات المبالغ بها، ونرى العديد من قوى المعارضة العربية تطالب علنا لجهات الدولية التدخل في حمايتها من القيود على الحريات تقوم بها حكوماتها.

ولكن مع الترحيب بفكرة إجراء مثل تلك اللقاءات إلا أن الأساس في ذلك يتطلب ضرورة أن يتم ذلك علنا وبشفافية كاملة في كافة مراحله من إيضاح معايير اختيار المشاركين لجدول أعمال اللقاءات وانتهاء بالإعلان الصادق والصريح لوقائع اللقاء. إن توفر مثلك تلك الشفافية ستلعب دورا هاما في إعادة الثقة بنوايا الحكومة الأمريكية – إن كانت كذلك- في دعم الحريات والديمقراطية المبنية على مبدأ مشاركة المواطنين في قرارات بلدهم وبالطريقة التي تعتبرها تلك القوى المناسبة لها دون فرض ديمقراطية بلون غربي أو أمريكي.

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .