مارس 20 2001

ضوء في نهاية “السجن الكبير”

نشرت بواسطة الساعة 12:00 ص تحت فئة السياسة الفلسطينية -

سمير عواد فلسطيني يحمل الجنسية الأمريكية، وهو مهندس معماري. ويعمل لدى شركة هندسية في مدينة كنساس حيث يقيم هناك منذ خمسة سنوات مع جدته هدى البالغة من العمر 85 عاماً.

ومع بداية هذا الشهر وبسبب تغير عمله، قرر القيام بزيارة والديه في مدينة بيت لحم. وقبل يومين من الالتحاق بعمله الجديد، توجه إلى مطار بن غوريون للسفر إلى مدينة كنساس على متن الخطوط الجوية الهولندية. ولكن لم يتمكن من السفر وألغيت رحلته، بسبب رفض سلطات الأمن الإسرائيلية في المطار السماح له بالسفر. ولم ينفعه جواز سفره الأميركي. إذ أبلغه الإسرائيليون، أن الفلسطينيين ممنوعين من السفر بسبب عملية الباص التي نفذها الشهيد أبوعلبة في تل أبيب قبل عدة أيام.

وبعد أربعة أيام سمح له بالسفر بعد أن رفع دعوة قضائية أمام محكمة العدل العليا الإسرائيلية. وكان عليه أن يبرر تأخيره وسبب عدم التحاقه بعمله الجديد. لذا فقد سعى للحصول على تقرير طبي يفيد أن جدته كانت بحاجة لمساعدته بعد أن أصيبت بكسر في حوضها، إضافة إلى تقرير من محاميه يفيد أنه لم يتمكن من السفر إلا بعد الحصول على قرار من المحكمة الإسرائيلية.

اهد عواد، فلسطينية من بيت لحم، لم تتمكن من العودة إلى منزلها بعد زيارة قصيرة قامت بها لعمتها المقيمة في الأردن، بسبب إغلاق الإسرائيليون للجسر أمام الفلسطينيين الذين وجدوا أنفسهم مجبرين على البقاء في الخارج بعيداً عن منازلهم.

حالة سمير وناهد ليست هي الوحيدة، بل هناك مئات، إن لم يكن الآلاف من الحالات المشابهة لفلسطينيين وجدوا أنفسهم غير قادرين على السفر ومغادرة وطنهم لأسباب مختلفة أو العودة إليه بعد إنهاء أعمالهم أو زياراتهم للخارج.

وقد كان الإغلاق الأخير، هو الأقسى منذ الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وغزة عام 1967م وحتى الآن.

ومنذ عام 1993 بدأت إسرائيل ممارسة سياسة الإغلاق، حيث أجبرت الفلسطينيين الراغبين بزيارة القدس أو إسرائيل من الحصول على إذن مسبق. وهذا الإغلاق مستمر منذ ذلك الوقت، وقد أضيف إليه مزيد من العقبات في السنوات الأخيرة وخاصة في الأشهر الأربعة الأخيرة.

ومنذ تشرين أول الماضي، استحدثت إسرائيل المزيد من التضييقات والإغلاقات. وقامت بمنع مواطنيها من دخول مناطق السلطة الفلسطينية تحت ذريعة حمايتهم. وبينما يجري تطبيق هذه السياسة الغير مفهومة من قبل حتى يهود إسرائيل أنفسهم، فقد طبقت إسرائيل هذا المنع أيضاً على الفلسطينيين من مناطق 1948. وعلى الرغم من تطبيق هذه السياسة الحديدية إلا أنها لم تمنع المستوطنين اليهود والذين يمكن اعتبارهم مهددين من دخول المناطق الفلسطينية. وقد جرى إغلاق الممر الأمن الوحيد بين قطاع غزة والضفة الغربية وبسرعة أيضاً بعد اندلاع انتفاضة الأقصى.

بعد ذلك جاءت عملية الإغلاق الداخلي. فقد قامت إسرائيل بعزل المدن الفلسطينية عن القرى القريبة منها والمتصلة بها. وهذا يشكل بالنسبة لسكان الريف الفلسطيني والتي تبلغ نسبتهم 60% من مجموع سكان الضفة الغربية، ضربة كبيرة ومزيد من العقبات أمام قدرتهم على الالتحاق بعملهم أو الذهاب للمدارس والجامعات. أما قطاع غزة والمكتظ بالسكان، فقد قسم إلى أربعة أجزاء كل منها منفصل عن الآخر.

ومنذ الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 وحتى الفترة الأخيرة، لم تكن إسرائيل تقدم على إغلاق الجسور. وحتى عندما كانت تغلق معبر رفح ومطار غزة الدولي، إلا أنها كانت تحافظ على بقاء الجسور مع الأردن مفتوحة للسفر أمام أبناء الضفة الغربية. وسياسة الجسور المفتوحة والتي كانت العلامة الأخيرة لسياسة الجنرال ديان، وقعت هي الأخرى ضحية الإفلاس السياسي للحكومة الإسرائيلية.

وما يثير الدهشة والاستغراب، إن سياسة الإغلاق الأخيرة، ومنع الفلسطينيين من العودة لوطنهم أو السفر، جاء كرد فعل إسرائيلي على عمل قام به أحد سائقو الباصات الإسرائيلية والذي قام الإسرائيليون أنفسهم باختياره لهذا العمل. فالسائق أبو علبة، وهو أحد أبناء قطاع غزة كان قد حصل على شهادة حسن سلوك من الأمن الإسرائيلي. وسجله يشير إلى أنه انطوائي وملفه (متزوج وله خمسة أبناء) يشير إلى أنه ليس من النوع الذي يمكن أن يقدم على القيام بعمليات انتحارية. وقد طالت العقوبات الإسرائيلية ثلاثة ملايين فلسطيني كرد على هذه العملية.

وقد أعلن راديو إسرائيل أن عائلة أبو علبة وأقرباءه سيمنعون من مغادرة القطاع والسفر، أو قيادة الباصات الإسرائيلية، وسيمنعون كذلك من العمل في المنطقة الصناعية التي أقيمت بالقرب من حاجز إيرز الإسرائيلي.

هذه الأخبار المحبطة، ليست بالغير مفهومة. فأخي جوناثان والذي يبدو متشائماً، كان بمزاج متفائل هذا الأسبوع، فقد أمضى أيامه يستمع للأخبار باللغة العبرية، وأخبرني أن كل الأخبار وكذلك المقابلات التي أجرتها الإذاعة الإسرائيلية مع المسؤولين الحكوميين وقادة الأمن والجيش، هؤلاء جميعاً تحدثوا على أن إسرائيل استخدمت كل الوسائل المتاحة لها ضد الشعب الفلسطيني، ولا يعرفوا ماذا سيفعلوا أكثر مما فعلوه. وكان هذا بالنسبة لجوناثان إشارة الأمل.

فإذا كانت هذه اللحظة هي الأشد ظلاماً في النفق، أعني في هذا السجن الكبير، فلا بد أن يكون هناك ضوء في النهاية.

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .