يونيو 09 2001

رام الله – الصمود تحت الحصار

أمضى سليم سويدان مدير تلفزيون نابلس، ليلة الثلاثاء الماضي في البحث عن مكان يقضي ليلته فيه، بعد أن فشل في الوصول إلى نابلس بعد رحلة استغرقت خمس ساعات، مع أن الرحلة في الأحوال العادية لا تستغرق أكثر من 45 دقيقة. وقد أوصله سائق السيارة مع عدد من الركاب إلى نقطة قريبة من قرية سلفيت، وكان عليهم أن يكملوا طريقهم إلى نابلس، إما سيراً على الأقدام أو باستخدام وسائط نقل أخرى يمكن أن تتوفر لهم في تلك الليلة قبل أن يتمكن من الوصول إلى بيته عند منتصف الليل.

“إنني لم أشاهد أبنائي لعدة أيام” هكذا قال سليم لزملائه العاملين في عدة محطات تلفزيونية فلسطينية، في الاجتماع الذي انعقد في رام الله لبحث سبل دعم المحطات التلفزيونية المحليّة وطرق تدريب العاملين فيها. أما زملاؤه من الخليل وبيت لحم ومن مدن فلسطينية أخرى فقد قرروا الإقامة وبشكل مسبق في إحدى فنادق مدينة رام الله.

أما نديم والذي يعمل وكيلاً لإحدى شركات التبغ الأمريكية، فله مشكلته الخاصة الأخرى. لقد أمضى أوقات صعبة وهو يحاول العودة لمنزله في رام الله، بعد أن قضى طول يومه متنقلاً بين مدينتي جنين والخليل، وقالت زوجته جمانه “إنهم قلقون جداً ليس بسبب الوضع العام السائد في المدينة فحسب، بل لأنهم مضطرون للبقاء في حالة قلق دائم وتوتر حتى يعود نديم سالماً لهم”.

وعلى الرغم من الحصار والقصف الدائم والانتفاضة المستمرة، تعيش مدينة رام الله حياتها العادية وبنشاط كبير، فمرافق المدينة من مطاعم ومقاهي وحتى دور السينما والمسارح كلها مفتوحة وتعمل حتى ساعة متأخرة من الليل، وحسب توقعات الطقس يجري التكهن فيما إذا كانت المدينة ستقصف من قبل الإسرائيليين أم لا. ومرونة المدينة تجذب لها العديد من المراقبين والزوار. والشيء المؤثر والذي يميز هذه المرونة هو طريق القدس رام الله، خاصة في الأوقات التي تشهد توتراً عالياً حيث يلجأ الجيش الإسرائيلي إلى اتباع كل الطرق الممكنة لعزل رام الله عن القدس والمناطق المحيطة بها، ولكنه يفشل باستمرار. ونظراً لمنع سلطات الاحتلال سيارات الأجرة من مدينة رام الله من الدخول للقدس والعمل فيها، فقد قام المقدسيون بملئ الفراغ من خلال استخدام سيارات الفان لنقل الركاب بين المدينتين وبطريقة غير قانونية. ومعظم هؤلاء السائقون يعملون كوسطاء تجاريون ويتقاضوا مبلغاً مقداره 200 شيقل مقابل عملهم كسائقي أجرة إضافة لعملهم الأساسي. وقد فشلت كل الحواجز الإسمنتية والحفر والخنادق التي أحدثها الإسرائيلييون في الطرق وحتى الحواجز العسكرية الطيارة فشلت كلها في منع تدفق الركاب واستخدامهم لوسائط النقل هذه للوصول إلى رام الله أو السفر منها.

ويوم الاثنين الماضي، استغرقت رحلتي لقطع مسافة الخمس كيلومترات الفاصلة بين بيت حنينا ورام الله حوالي الساعة، قضيتها في محاولة للتغلب على حالة الحصار المحكم الذي فرضته قوات الاحتلال على مدينة رام الله. وفي العادة يصارع ركاب السيارات التي تسير على هذا الطريق أزمات المرور الخانقة خاصة عند نقطة قلنديا ليتمكنوا من قطع هذه الكيلومترات القليلة. وقد أصبحت هذه المشكلة والصراع معها، وإن كانت غير مستحبة، جزءاً من الحياة تحت الاحتلال، ومع هذا يستمر الجميع في العمل والتنقل والقيام بأعمالهم والالتزام بمواعيدهم التي خططوا لها مسبقاً. وبالطبع فإن هذا الوضع لا يشكل فقط ضغطاً غير عادي على الأعصاب بل هو عنصر مدمر سواءاً بالنسبة للأعمال المرتبطة بالاقتصاد الوطني أو بالنسبة للمؤسسات التعليمية التي تحاول إنجاز خططها وبرامجها بكفاءة عالية. وقد أصبح هذا النظام المدمر سمة عامة تطبع العمل طيلة اليوم، وأصبح الهاتف النقال وعقد المؤتمرات على الهاتف وسيلة متبعة وضرورية عندما يصبح عدم الحضور الشخصي ممكناً.

وعلى غير العادة وخاصه وقت الأزمات ، فقد بقيت مجموعة من الأجانب الأسبوع الماضي في المدينة للإحتجاج على الإجراءات الإسرائيلية وممارستها ضد الشعب الفلسطيني ولمدة خمسة أيام متصله ومطالبة في الوقت نفسه بتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني . وقد أعلن المحتجون الأجانب ، اضافه لرغبتهم في توفير الحماية الدولية للفلسطينين ، أعربوا عن رغبتهم في اظهار تضامنهم مع الشعب الفلسطيني عبر استخدام الخيام للنوم ، رافضين عروض الشرطة الفلسطينية بتوفير مولدات كهربائية لهم لانارة الخيام .

حالة مدينة رام الله هي جزء من الحال العام في فلسطين وهناك العديد من القصص والتي يمكن كتابتها عن الحياة في بيت لحم ، أو الخليل ونابلس . وبالتأكيد فإن نتائج سياسة العقوبات الجماعية التي تمارسها قوات الإحتلال الإسرائيلي ستؤثر على الحياة العامه في المدن الفلسطينية ولفترة طويلة من الزمن . ان المرونه التي يتحلى بها الفلسطينيون على الرغم من عيشهم في السجن الكبير ،متلازمه مع الأمل بتحقيق السلام العادل وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة ، ولكن وبالنسبة للشعب الفلسطيني الصابر والذي يتحمل كل أنواع الضغط اليومي ، هذا الشعب لا ينتظر حلولاً مؤقته للوضع الراهن . وأكثر ما يمكن الإستماع اليه في الأحاديث الخاصه أو في المجالس العامه لشعبنا الفلسطيني هو : سننتظر مهما طال الوقت . وكل الذي يريده شعبنا هو الحصول على الحرية التامه والإستقلال الناجز وطرداً تاماً ونهائياً للاحتلال الإسرائيليي .

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .