نوفمبر 12 2001

يوميات فلسطيني في نيويورك

نشرت بواسطة الساعة 12:00 ص تحت فئة مدونتي -

كان جالساً بالمقعد المجاور لي وهو يحاول أن يعبئ أوراقا ًرسمية ومعه جواز سفر مغربي . كنت أقرأ رواية غالب هلسه زنوج وفلاحين وبدو محاوﻻ أن أوضح له أن الكتاب باللغه العربية، ولكن المسافر معي في رحلة الخطوط الجوية الفرنسيه كان مضطرباً . لقد كنا مسافرين من باريس الى نيويورك أكثر من شهر بعد أحداث ” أيلول ” ØŒ وكان الإضطراب والتخوف على جاري المغربي كبيراً لغاية أنه رفض التكلم خلال سبعة ساعات من السفر خوفاً من تشكك باقي المسافرين فيه. كنت مهتماً بمعرفة ماذا حدث لنيويورك هذه المدينه الصاخبه والمليئه حيويه بعد الهجوم الإنتحاري الذي أدى لوفاة الآف الأمريكيين.

عند خروجي من الطائرة الجمبو في مطار كيندي بنيويورك مع باقي المسافرين بدأنا بالسير نحو منطقة فحص الجوازات وهو ممر طويل يصل بالمسافر الى قاعه كبيرة ينتظر المسافر بدور منظم من أجل التحقق من وثائق سفره الا أن هذه المرة كان هناك شرطيان بزي مختلف يراقبون القادمين وسرعان ما كان إختيارهم لي من بين عشرات المسافرين ، ولكن بعد التحقق السريع من جواز سفري قام أحد أفراد الأمن الأمريكان بالسماح لي بالسير كالمعتاد الى قاعة الجوازات وثم الى قاعة الأمتعه وخروجاً الى الشارع حيث سيارات التاكسي التي يقودها مهاجرون من كافة دول العالم تنتظر القادمين

العلم الأمريكي

للوهله الأولى لا يبدو أي إختلاف في مدينة بنيويورك . فإختلاف الجنسيات والأشكال والالوان لا يزال المنظر الطاغي على ا لمدنية والشوارع الأوتسرادات مليئه بالسيارات الخاصه والعموميه كلها تسير بسرعه كما تسير الحياة في أمريكا الا أن الجديد في النظرة الأولى لشوارع نييويورك هو الإعلام الأمريكيه منها المربوط على هوائي الراديو ومنها الملصق على الشباك الخلفي ومنها المعلق من الشبابيك الجانبية .

وبعد مده من السير في شوارع نيويورك يبدوا واضحاً أن الأعلام ليست مقتصرة على السيارات بل أمام البيوت والمكاتب والمتاجر .

عند وصولي الى غرفتي في الفندق فوجئت أيضاً بوجود العلم الامريكي على معظم المحطات التلفزيونية فمحطة الموسيقىMTV لونت شاشتها بالأزرق والأحمر ومحطة NBCاستبدلت الألوان المزركشه للطاووس التي يمثل إشارتها بألوان العلم الأمريكي وتسارعت الشركات الكبيرة ببث إعلانات تشجيعية للمواطنين مؤكدة وحدة الامريكان .

من ناحية المضمون لم يكن هناك شيء يهم المحطات التلفزيونيه سوى الهجوم الأمريكي على أفغانستان والهجوم المجهول على الامريكان من خلال الجمرة الخبيثة.

لقد زرت احدى مكاتب البريد لإرسال طرد إلى صديق وكان واضحاً مدى التخوف من هذا السلاح البيولوجي فالعاملين في البريد كانوا يلبسوا قفازات لحمايتهم من الجمرة الخبيثه وكان معلقاً على إحدى لوحات مكتب البريد صورة لمواطن ليبي مطلوب للعداله الأمريكية .

المواطنون الأمريكان من أصل عربي لم يختلفوا كثيراً عن باقي الأمريكان بل بالعكس كان هناك محاوله حثيثه من الجاليه العربية إظهار تضامنها مع أبناء وطنهم الجديد واستنكارهم لما حدث . ولم يكتفي العرب المسلمون والأمريكان برفع الأعلام بل أصدروا بيانات وقادوا مسيرات بالشموع شارك في أحدها خمسة الآف من مواطني حي بروكلين تعبيراً عن التضامن مع الضحايا وشجب الإرهاب .

وبقدر ما حاول العرب وغير العرب الأمريكان التحدث عن مواضيع غير موضوع ما حدث الا أن الحديث في المنازل والمطاعم والمكاتب دائماً يعود لنفس الموضوع ، ومن زاويه مختلفه فهذا يعرف صديق فقد في الأحداث وذاك يتحدث عن الضرر الإقتصادي وأخر يركز على المشكلة النفسيه وخاصه للأطفال الأمريكان .

الشرق الأوسط

قضية الشرق الأوسط لم تغيب كثيراً عن إهتمام الأمريكان بل بالعكس لمست ولأول مره إهتمام المواطن الأمريكي العادي لمعرفة أكثر عن قضية الشرق الأوسط كما ، وكان هناك تزايد كبير جداً في رغبة الأمريكان بالمعرفة عن الإسلام . ففي إحدى لقاءتي أعلمتني أحدى الأمريكيات انها اشترت هي وزميله لها نسخه من القرآن الكريم لقرائته .

طبعاً هذا الإهتمام الجديد في الشرق الأوسط والإسلام ليس بالضرورة للصالح الفلسطيني والعربي ، ففي أحد اللقاءات علمت أن أعضاء الكونغرس قد تم تزويدهم بدوسيات دراسيه عن الإسلام وعند مراجعتي هذه الدوسيه وجدت أنها مليئه بالأغلاط والسموم خاصه فيما يتعلق بموقف الإسلام من الديانات السماويه الأخرى وعند التحقيق اكتشفت أن مصدر هذه الدوسيات جهات أمريكيه مؤيدة للصهيونيه .

الدعاية الصهيونيه في أمريكا والتي تعمل ليل نهار عملت على تسميم الجو الأمريكي بالنسبه للمقاومه الفلسطينيه وتأثرت الجمعية المناهضه للتشويه المسماه ADL بالهجوم على الإعلام العربي والإسلامي الذي خلف وعزز إشاعات عن دور اسرائيل في الهجوم على أمريكا واعتبرت أن تلاحماً ما قد حدث من الجهات اليمينيه المنظمه في أمريكا ضد الجهات الإسلاميه والعربية .

من ناحيتهم إنشغل ممثلوا الجاليات العربيه الرد على الحملات المباشرة لهم وذلك بإصدار البيانات والمشاركه في المؤتمرات والندوات من خلال منا بقي لعدونها ضعف المتحدثين العرب وخاصه في مجال الإسلام حيث كانت معظم المشاركات ليست في المستوى المطلوب .

أما قضية فلسطين فقد حظيت بإهتمام خاص والذي تجلى في الإستفتاء الذي أظهر أن غالبية الأمريكان يعتقدون أن تأييد أمريكا المطلق لأسرائيل هو أحد أسباب الهجوم على نيويورك وواشنطن الا أن هذه الأغلبية لم تتفق اذا ما كان على أمريكا تقليل تأييدها لإسرائيل ام لا ، وهنا أيضاً برز العديد من مؤيدي اسرائيل الذين حاولوا اثبات أن الهجوم على أمريكا عمل شرير لا يمكن تبريره ولو كان هناك أي خلفية لهذا الموضوع لكان التواجد الأمريكي في السعوديه سبب أهم من القضية الفلسطينيه كما علق بعض المحللون المؤيدون لإسرائيل .

وإذا كان من تأييد مباشر لقضية فلسطين فقد كان واضحاً أنه تكتيكياً بسبب الضرورات الميدانيه التي فرضتها حرب أمريكا ضد أفغانستان وضرورة إبقاء التحالف مع أمريكا متماسكاً .

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .