مارس 30 2004

الكلام عن السلام في زمن الحرب

نشرت بواسطة الساعة 12:00 ص تحت فئة السياسة الفلسطينية -

يقال أحياناً أن هناك وقت لكل شيء. معنى هذا إنه عندما يحين وقت الحرب يتوجب على الذين يؤمنون بالسلام أن يصمتوا. لا شك أن من الصعب الكلام عندما تعلوا أصوات المدافع – وفي حالتنا أصوات طائرات الأباشي بصواريخها القاتلة – على جميع الأصوات الأخرى. ولكن من السهل دحض ذلك بالقول أن في ذروة عدم التسامح والقتل والغضب تزداد الحاجة أكثر إلى أصوات المنطق ولغته.

يواجهني هذا المأزق في الوقت الذي أصابت فلسطين والمنطقة والعالم بأكمله صدمة اغتيال زعيم حركة حماس الإسلامية الشيخ أحمد ياسين.

قبل الحديث عن السلام، من الأهمية بمكان إيضاح أمور تتعلق بعدد من القضايا التي تبدو  وكأنها قد ضاعت في خضم نشرات الأخبار اليومية وعناوين آخر الأخبار العاجلة. بعكس الأفكار التي قد توحي بها آلة الإعلام السياسي الإسرائيلية وأنصار إسرائيل في الغرب، فإن الفلسطينيين لا يحتلون أرض أي شعب آخر، بل على العكس، فهم يقبعون تحت الاحتلال الإسرائيلي. أما الأعمال التي يقوم بها الفلسطينيون، والتي تتعارض في بعضها مع المعايير الإنسانية، فهي لا تحدث في الساحة الدولية ولا تتركز في أية دولة سوى الدولة التي تحتلهم.

لقد استمر الاحتلال الإسرائيلي غير الشرعي لمدة تزيد على سبعة وثلاثين عاماً، ورافقته حملة عدوانية لتوطين اليهود على الأراضي الفلسطينية في مخالفة صريحة للقانون الدولي ولاتفاقية جنيف الرابعة بالتحديد.

وقد أعرب الفلسطينيون دائماً، المعتدلون منهم والمتشددون عن رغبتهم واستعدادهم للتفاوض وتوقيع اتفاقية لوقف إطلاق النار. والواقع أن الفلسطينيين، وفي أكثر من مناسبة، أعلنوا عن اتفاقيات لوقف إطلاق النار من طرف واحد، وعن هدنة، لم تواجه سوى بهجمات إسرائيلية وتخريب أي فرصة لحل سلمي.

لقد قدم المجتمع الدولي، وخاصة اللجنة الرباعية، خطة شاملة هي خريطة الطريق، قبلها الفلسطينيون بشكل كامل ورفضها الإسرائيليون عملياً وفعلياً باستمرارهم في ممارسة الأنشطة الاستيطانية وإنشاء الجدار العازل على أراضي الفلسطينيين ورفضهم العودة إلى خطوط أيلول (سبتمبر) 2000، ومواصلتهم اغتيال وقتل المدنيين الفلسطينيين.

لم يشارك أي مسؤول فلسطيني أو مجموعة رسمية في تنفيذ هجمات على الإسرائيليين؛ على وجه اليقين لم يعترف أي منهم بالقيام بعمل كهذا. في الوقت نفسه فاخرت الحكومة الإسرائيلية علناً بقتل واغتيال خارج نطاق القانون لأفراد الشعب الفلسطيني وتدمير منازلهم وحدائق أشجارهم.

أما عملية اغتيال الشيخ أحمد ياسين فهي تدعو للحيرة والاستغراب فيما يتعلق بأهدافها. فهذا القائد الديني المصاب بشلل شبه كامل، لم يكن له أي دور عملي في النشاطات العسكرية للجناح العسكري للحركة الإسلامية. بل كان في الواقع مصدر اعتدال وليس تطرف، أكثر من أي فرد آخر في المجموعة. وقد نادى في أكثر من مناسبة بعقد هدنة، وعرف عنه المشاركة في الأسابيع الأخيرة في محاولة للحد من تصعيد النزاع الحالي. فماذا تعني عملية قتله إذاً؟

إنها تعني أن المحاولات الإسرائيلية الحالية لفرض حل سوف تستمر لفترة من الوقت. إنها تعني أن الإسرائيليين مستمرون بعدم الاكتراث بالسلام والأمن – ما لم يستسلم الطرف الآخر، وهو أمر بعيد الحدوث. وهي تعني كذلك أن الإسرائيليين مستمرون في معارضة خريطة الطريق فعلاً وقولاً ومن الواضح إنهم سوف يستمرون في تجاهل إرادة المجتمع الدولي.

إذا كان الأمر كذلك فماذا يتوجب على أصحاب النية الحسنة أن يفعلوا؟

أسوأ ما يمكن أن يحدث هو السماح لهذه الأمور بأن تتغلب على صوت المنطق. يجب علينا ألا نجد مبرراً للخطأ بغض النظر عن الطرف الذي اقترفه. ولكن نحن جميعاً بحاجة لرفض كافة المحاولات لتعميم كل ما يحدث. يجب أن نصر على الحاجة لوضع حد لسفك الدماء. يجب أن نصر على رفض العنف كأسلوب لحل المشاكل والمناداة بالسلام والعدالة. قد يبدو ذلك بعيد المنال، ولكن ليس هذا هو الوقت للسماح للمتطرفين على الجانبين بأخذ العملية رهينة من بقية أفراد الشعب. قد يبدو أن الوقت هو وقت الحرب، ولكن علينا أن نصر أنه وقت السلام.

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .